إرادة ملكية وأطر من أبناء الشعب
كان زوار طنجة وتطوان والحسيمة والمراكز الحضرية والقروية المحيطة بهما يعبرون عن إعجابهم بالمنطقة ويتأسفون على واقعها. هذه المنطقة كانت ولا زالت، ولو بنسبة أقل بكثير من السابق، مرتعا للاغتناء السريع لبارونات التهريب والمخدرات. ولم تسلم من حضور مريب لبعض الشخصيات في مجالسها الترابية وحتى في لائحة ممثليها بالبرلمان. هناك من أخذ الكلمة في جلسات الأربعاء وتكلم باسم قبائل ومدن في الشمال وهرب إلى الخارج وأصبح بفعل الفوضى السياساوية ” مناضلا” انفصاليا أدى إلى تعبئة بعض أبناء الريف إلى متاهات. وأبناء المنطقة لا يحلمون إلا بالعيش الكريم ومرافق عامة في مجالات التعليم والصحة والبنيات التحتية.
أكدت الأحكام الصادرة عن المجلس الدستوري أن التنافس بين اقطاب السياسة في الريف وبكافة تلويناتهم الحزبية تشوبه الأخطاء القانونية وتم الإسقاط والطرد من البرلمان. وهذه إشارات من مجلس دستوري إلى أحزاب تركع أمام سلوكات يفرضها من يبني سطوة بمال كثير وفي غياب البحث عن مصدر هذا المال. وهكذا نصنع كلنا بما في ذلك مؤسساتنا طبقات سياسية تضرب هيبة الدولة في الصميم. وهكذا تنتصر معاول الهدم على سواعد البناء. المهرب وتاجر المخدرات يمول حملة انتخابية لرئيس حزب كبير وذو تاريخ والزعيم يتجاهل تكلفة حملته الانتخابية ولا يطرح سؤال المصدر وهو الآتي من عمق أواصر الدم والنسب التي بنت مجد حزبه. أما أحزاب ” الإدارة ” فهذا نهجها وعليه تأسست وأقسمت أن تنصر مسؤوليها وتناصرهم ظالمين كانوا أو مظلومين. ولنا في بعض الفاشلين تعليميا مثالا على انتصار الرداءة على الجودة على صعيد رئاسة الجهات ومجالس الأقاليم والعمالات والجماعات.
و يظل السؤال هو ذلك السر الكامن وراء التقدم الهائل الذي عرفه شمال المغرب والذي أصبح عنوانا بارزا في مجال مؤشرات الصناعة والتجارة والتموقع الإستراتيجي.
السر الأول يكمن في إرادة ملكية وطنية بدأت منذ انطلاق حكومة التناوب. وللتاريخ وجب التأكيد على أن الحلول التقنوقراطية البسيطة التي خدمت طبقة من المغاربة وافقرت الكثير منهم، أوصلت المغرب إلى الباب المسدود أو إلى “السكتة القلبية” كما وصفها الملك الراحل الحسن الثاني. ومع وصول الملك محمد السادس انطلق العمل بجد وبإصرار شعاره التغيير.
الشمال المغربي بدأ يتغير لمواجهة واقع مرير عنوانه التهريب وتجارة المخدرات وقوارب الموت. الأرقام كانت في تزايد. وقف أحد مستشاري الملك في باب سبتة وقال كلمة لخصت الوضع الكارثي للمعبر الحدودي. وتطلب الأمر العمل والتفكير إلى أن وصلنا إلى إعادة الساعة إلى الصفر.
كان السكوت شبه سلوك متوافق عليه. ولكن الإرادة أوقفت المهزلة في باب سبتة وفي معبر مليلية المحتلتين. التهريب عمليات كان المستفيدون منها من الكبار الذين حاولوا وصفه بالتهريب المعيشي. سيارات كانت تصطف بالمئات أمام المعابر الحدودية على مرأى وعيون كل السلطات والمستفيدون يغرقون أسواق البلاد بسلع كثيرة وعلى الخصوص المواد الغذائية والملابس.
وكانت الآثار وخيمة على صحة المواطن وتهريب العملات وتزايد معدل الرشوة وتراجع إنتاج وحدات صناعية. بدأ مخطط تنمية الشمال بمشروع طريق ثم امتد إلى ميناء فمنطقة لوجيستيكية وصناعية وسد وغلق للحدود مع المدينتين المحتلتين لنصل إلى وضع غير ذلك الذي كنا نعرفه. المركب الميناءي طنجة المتوسط أصبح مؤسسة عالمية ووكالة تنمية مدن الشمال تحولت إلى خلية نحل لتتبع المشاريع المهيكلة. كثير من المهندسين الشباب اكتسبوا خبرة في تتبع إنجاز المشاريع والسهر على تنفيذها. من يعرف فاعلية وكالات التنمية سيكون أول منتقد للتتبع الإداري الكلاسيكي لتنفيذ المشاريع.
ولا يمكن لمتتبع للشأن العام أن ينسى أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية قد نصت على وكالات تنفيذ المشاريع كمؤسسات لتغيير التدبير الجماعي. ولكن الأحزاب سبحت ضد التيار واعتبرت هذه الوكالات غير ديمقراطية رغم طابعها التنفيذي المهني وخضوعها لكافة أنواع الرقابة. وسيظل حالنا كما هو عليه مع تسلط الأميين ومحترفي العنف السياساوي على التدبير الجماعي.
المهم أن شباب هذا الوطن هم من صنعوا التغيير في شمال المغرب واتقنوا تنفيذ التوجيهات الملكية بمهنية عالية.
وللتذكير فمركب طنجة المتوسط يديره مدير سابق لوكالة تنمية الشمال والمدير الحالي كان من الاطر الخبيرة العليا لهذه الوكالة ورئيس مجلس إدارة موانئ المغرب الذي تم تعيينه أخيرا هو من الأطر المغربية التي اشتغلت على أرض وواقع الشمال. والسر هو وضع الثقة في الاكفاء من أبناء الوطن مهما كانت وضعيتهم الاجتماعية وانتماءهم الجغرافي.
ولكل ما سبق وحتى لا يتفاجأ المواطن بوصول أسماء إلى مناصب عليا دون استحقاق، وجب وضع آليات لقياس الكفاءة وحسن السلوك لكي لا تخضع الترقيات والتعيينات في المناصب العليا لغايات حزبية ضيقة تحكمها المصلحة الضيقة. مثال الشمال يحتذى لضمان الكفاءة وحسن الإنجاز.