يكاد يكون هناك شبه اجماع وسط المهتمين والفاعلين بعاصمة البوغاز، أن حال المجلس الجماعي لطنجة، يدمي قلب كل تواق إلى مؤسسات منتخبة فاعلة تقوم بأدوارها كما هو محدد في القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات في أفق تطويرها وتجويد أدائها.
فمن جهة، يعاني المجلس الحالي من التدخلات المستمرة للسلطات الولائية في عدد من الملفات، وذلك بشهادة مسؤوليه، ومن جهة أخرى يعاني من تكاسل أعضائه وشلل شبه تام لمؤسساته، سواء على مستوى المكتب المدبر أو على مستوى اللجان.
ويبدو أن الأزمة القائمة بين بعض مكونات الأغلبية المدبرة لشؤون المدينة جاءت لتعمق هذه الحالة، وذلك بعد الولاية السابقة التي قادها حزب العدالة والتنمية والتي تميزت بحضور واضح وإن كان تأثيره لم يرقى إلى ما كان يرجى من تجربة قادها حزب لوحده بأغلبية مطلقة سواء على مستوى الجماعة أو على مستوى المقاطعات، في سابقة عرفتها المدينة.
غياب المبادرة والفعالية والمواكبة لدى عمدة المدينة، الذي لا يعرف الرأي العام المحلي من أين أتى، حتى تفاجأ الجميع بترشحة لانتخابات 08 شتنبر 2021، ونزوله عبر مظلة لرئاسة للمجلس الجماعي، بحيث لم يسبق له أن مر بتجربة سياسية أو جمعوية أو نقابية، أو راكم تجربة معينة تؤهله لقيادة مدينة من حجم طنجة، اللهم قدومه من عالم الأعمال، وهو ما جعل السلطات تستثمر ضعفه لتدبر مجموعة من الملفات والقضايا.
الأمر لا يقف عند تواضع التجربة لدى العمدة، بل وصل الأمر إلى ضعف المواكبة، فالمعطيات القادمة من الطابق السادس للبلدية، تقول أن التواصل بين أعضاء المكتب المسير للمجلس (العمدة ونوابه) لا يكاد يكون إلا عند اقتراب موعد الدورات، فبالأحرى أن نتحدث عن التنسيق والاجتماع الدوري كما ينص على ذلك القانون الداخلي، لإتاحة الفرصة للنقاش والتداول والاقتراح.
ثم ما معنى عدم الحسم في المنصب الشاغر النائب الرابع للعمدة الذي بقي فارغا مدة تجاوزت 22 شهرا، أي منذ انتخاب رئيس مجلس عمالة طنجة أصيلة يوم 30 شتنبر 2021، وهو أمر يفتح الباب أمام الكثير من التكهنات التي يمكن تجاوزها للتفرغ للعمل والميدان.
الأمر البين الذي تجد فيه العمدة في كامل حيويته وأناقته، هي عندما يتعلق الأمر بالتحركات الخارجية واستقبال السفراء والوزراء الأجانب، بحيث وعلى عكس القضايا الأخرى، يتم نشر أخبار هذه الأنشطة على نطاق واسع وعلى مختلف المواقع والصفحات، ويعطي العمدة التصريحات والكلمات في كل الاتجاهات، رغم أن معظم هذه المبادرات تتم في إطار رئاسته للجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات.
ليبقى التساؤل الذي يؤرق المتتبع، هو لماذا لا نجد نفس الحماس عندما يتعلق الأمر بالملفات التي لها علاقة بالجماعة المثقلة بالمشاكل التي تحتاج إلى معالجة، عوض الدخول في اصطدامات غير ضرورية مع بعض مكونات الأغلبية من جهة، والعمل بكل الطرق من أجل تهميش المعارضة من جهة أخرى، والذي وصل إلى درجة منع المعارضة من ترأس لجنة من لجن المجلس بطرق ملتوية، في ضرب سافر لمبدأ إشراك المعارضة.
سوء تدبير القضايا واضح للعيان، فعلى سبيل المثال ملف بيع ممتلكات الجماعة، ونشير هنا إلى القطعة الأرضية الواقعة بمنطقة بوبانة التي باعتها جماعة طنجة في مزاد علني في شتنبر 2021 بسعر 2550 درهم، اليوم يتم بيعها بثمن وصل إلى أزيد من 8000 آلاف درهم، وهو ما شكل صدمة لدى مختلف مكونات المجتمع المدني بالمدينة المتابعة للشأن المحلي، فكيف غاب عن العمدة أن الأمر يتعلق بقطعة أرضية تتواجد في منطقة راقية وبالقرب من نادي الكولف الملكي؟ وهو ما حرم خزينة الجماعة من أموال طائلة تحتاج إليها خاصة أمام الاستحقاقات الكبيرة التي تواجهها، وهل هكذا سندبر باقي ممتلكات الجماعة أمام تزايد ضغط السلطات الولائية والتي تطالب ببيع المزيد من الممتلكات لمواجهة مستحقات الأحكام القضائية المتتالية ؟.
أما بخصوص برنامج عمل الجماعة، وبعد مرور حوالي 22 شهرا على بداية عمل المجلس، يعلن المكتب هذا الأسبوع عن تنظيم أول ورشة تشاركية، بشراكة مع المقاطعات الأربع، طنجة المدينة، وبني مكادة، والسواني، ومغوغة، من أجل العمل على التشخيص الترابي لموضوع الرقمنة في الإداراة الجماعية، بشكل يدعو إلى الاستغراب.
وإذا وسعنا الدائرة واقتربنا من لجان المجلس، فالطامة أكبر وأفدح، فمعظم اجتماعات اللجن لا تجتمع بشكل رسمي إلا في لقاءاتها الثانية بسبب عدم الوصول إلى النصاب، وإذا اجتمعت بمن حضر فإن العدد لا يتجاوز بضعة أفراد تضطر اللجنة الإعلامية عدم نشر خبر الاجتماع والصور المرافقة له حتى لا يظهر ضعف الحضور، كما حدث لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة، التي لم يحضر في لقائها الثاني سوى ثلاثة أعضاء واحد منهم من الأغلبية واثنان من المعارضة، وأيضا لجنة التعمير وإعداد التراب والمحافظة على البيئة والممتلكات فقد اجتمعت بعضوين فقط ، رغم أهمية الملفات المضمنة في جدول أعمال القاء.
دائما في سياق الاجتماعات الإعدادية للدورات، فالإعداد لدورة دورة ماي الأخيرة تميز بغياب شبه كلي لأي لقاء تشاوري تدبيري وسياسي، ونشير هنا أساسا لآلية مهمة لطالما أعطت في الولاية السابقة لجميع مكونات المجلس المجال للمشاركة وإبداء الرأي والوقوف على المستجدات، لكن تم تغيبيها في الولاية الحالية ولم تعد لها تلك المكانة المعتبرة كما كانت في المجلس السابق حيث كانت تعقد بشكل دوري، ونعني هنا ندوة رؤساء الفرق السياسية المتواجدة بالمجلس، والتي تعاني من تهميش متعمد على ما يبدو، ظهر ذلك جليا في تدخلات بعض رؤساء الفرق خلال دورة ماي الأخيرة.
الحالة التي يعرفها المجلس تتحملها مختلف المكونات، أغلبية ومعارضة، ومن مهام العمدة الآنية الاستماع والجلوس على الطاولة مع الجميع، وترميم أغلبيته الهشة هي أولوية الأولويات، فمصلحة المدينة فوق أي اعتبار، وتطوير تجربة التدبير المحلي يقتضي الكثير من الصبر وإعطاء المجال والفرص للجميع خاصة من ذوي الكفاءات والتجارب، كما أن المطلوب من والي الجهة أن يقف على مسافة من الجميع وأن يترك الناس تشتغل وفق القانون المنظم للجماعات الذي آن الأوان لفتح النقاش حوله في أفق تعديله لتوسيع دائرة اختصاصات المؤسسات المنتخبة التي لا زالت تعاني مما تعانيه من التدخلات المستمرة للسلطات الولائية.