يحب طنجاوة أتاي بالنعناع كثيرا، ويفضلون أكثر أن يشربوه في مقاهي المدينة القديمة التي تمثل بالنسبة لهم مهدَ الحياة الطنجاوية بكل تفاصيلها الجميلة وعاداتها وتقاليدها.
وبنفس الدرجة يحب الزائر لمدينة طنجة استنشاق هذا العبق التاريخي، وهو يرشف كأس الشاي المختلط برائحة النعناع النفادة التي تنعش خلايا المخ والجسد.
لكن يبدو أن هذا الزائر انقسم إلى نوعين مؤخرا: أسود الرأس وأشقره. وبالتالي حتى الشاي سيكون علينا أن نجد له لوناً جديدا، فيصبح شاياً “روبيو” خاصا بالسائح الأجنبي.
ويبدو أن أصحاب عدد من المقاهي بالمدينة القديمة – لا يتعلق الأمر بمقهى واحد على ما يبدو – اكتشفوا أن الإقبال أصبح كبيرا فعلا بعد مرحلة الجائحة، فقرروا أن يضعوا شروطا غريبة لا يقبلها لا العقل ولا المنطق ولا حتى القانون.
نحن نتفهم أن الربح المادي شيء مرغوب فيه، وأنه من حق صاحب المقهى أن يجتهد ليربح أكثر، لكن في حدود، وبقناعة يفترض أن أهل طنجة تربوا عليها.
أما أن يجلس زبون جاء من مدينة أخرى لينعش السياحة الداخلية، وليتعرف على جزء آخر من بلده، فيأتي النادل ليخبره أن الشاي لا يُقدم خارج المقهى بعد السابعة مساءً، فهذا والله شرط غريب جدا، ويجعل المرء ينفر من المكان وربما من طنجة كلها.
أما لو كان الزبون من أهل المدينة نفسها، فإن الأمر يصبح أقرب إلى الفضيحة.
لا يوجد تفسير آخر للأمر سوى أنه “جشع”، وسوء تدبير ورؤية قاصرة، وتمييز واضح، من أجل المزيد من الربح ومن أجل عيون “السائح الأشقر”.
أما حجة أصحاب المقاهي، فهي أن الزبون يجلس هناك لساعات “غير على الكاس د أتاي”. وهي حجة مردودة عليهم لأن الأصل في الخدمة التي تقدمها المقاهي هي الجلوس والاستراحة، ولا يحق لأحد أن يفرض مدة بعينها على الزبون، علما أنه، حتى لو حدث ذلك، فإن الربح مضمون للمقهى.. ولكن كما قلنا للجشع رأي آخر.
يأتي الزبناء إلى مقاهي المدينة ليس فقط من أجل كأس الشاي والكراسي المتوفرة، بل من أجل الأجواء نفسها، والتي “كانت” مفعمة بالحميمية والروح الجميلة والقناعة.. فإن فقدت هذه المعاني، فقد هذا الجزء من طنجة أهم ما يميزه.
ألا هل بلغت؟