عبد الله أفتات
رغم أن الأنشطة الثقافية بمدينة طنجة لا زالت تحتاج إلى المزيد من الاقتراب من الملفات الحارقة وطرح الأسئلة الحقيقية، كما أنها تحتاج أيضا إلى المزيد من الانفتاح على شخصيات ثقافية وإعلامية وجمعوية وحقوقية وازنة في المدينة، والتي تتعرض للتهميش بهذا الشكل أو ذاك فقط لأن لها مواقف وكتابات من زاوية معينة، إلا أن الأسبوع الثقافي الذي نظمته “جمعية الشعلة للتربية والثقافة فرع بني مكادة”، في الفترة ما بين 15 ماي الجاري إلى 21 منه، أعاد الحنين إلى فترة ذهبية شهدتها مدينة طنجة على المستوى الثقافي، بمحاولته ملامسة مواضيع مهمة، كما عرف حضور رموز بارزة بالمدينة، أعادت إلى الأذهان فترات سابقة توصف وسط المهتمين بالفترة الذهبية.
وتعتبر فترة التسعينات من القرن الماضي وبداية الألفية، بالإضافة إلى فترات أخرى من الماضي الثقافي الجميل لعاصمة البوغاز، حيث كانت تحظى الندوات والمحاضرات واللقاءات الثقافية بمتابعة مثيرة، لدرجة أن بعض القاعات لا زالت تحتفظ بالكثير من الذكريات، ولعل القاعة الرئيسية لدار الشباب حسنونة لا زالت تمثل أكبر ذكرى لهذه الفترات التي يتحدث عنها البعض في طنجة بالكثير من النوستالجيا.
ومن الجمعيات التي كانت تحظى لقاءاتها بمتابعة كبيرة، جمعية “رسالة الطالب” التي ترأسها لسنوات طويلة الراحل مصطفى بن مسعود، وكانت كل الأسماء ومن مختلف المرجعيات تجد لها مكانا ضمن منصاتها خاصة الرمضانية منها، حيث تمتد النقاشات إلى وقت جد متأخر، وكان لها الأثر البالغ في بروز شخصيات وتيارات وفتح مواضيع وملفات قلما تثار في فضاءات عمومية أخرى.
وبالعودة إلى الأسبوع الثقافي الثالث الذي نظمته الجمعية المشار إليها تحت شعار “الثقافة رافعة أساسية للتنمية المحلية”، في الفترة ما بين 15 ماي الجاري إلى 21 منه، شذ إليه انتباه المتابعين للشأن المحلي، واستقطب شريحة معتبرة من نخبة المدينة بمختلف تلاوينهم، الشابة منهم على الخصوص، لما عرفه من برمجة متنوعة ومشاركة أسماء تنتمي لمختلف المرجعيات، ومواضيع لامست جزء من أذواق النخبة الجديدة لعاصمة البوغاز.
المتابع لهذه الفعاليات، يستحضر أيضا تاريخ جمعية الشعلة، وما رافقه من تراكم كانت وراءه مجموعة من الشخصيات التي اشتهرت بمدينة طنجة وخلفت بصمات في مجموعة من الميادين، وارتبط اسمها بجمعية الشعلة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى 17 أبريل سنة 1975 من القرن الماضي، المخرج المسرحي مصطفى الخمسي صاحب إخراج مسرحية “طبوزا” و”الماء الحلو” ومسرحية “الأسطورة” في سبعينيات القرن الماضي، كما يستحضر الراحل امحمد مكروم الطالبي، والذي أخرج مسرحية “الليف والتحريف” وكتب مسرحية “ولد ميمونة” وأدار لسنوات فرقة تياترو القصبة، أما على مستوى الفن التشكيلي فنجد الفنان أحمد الطريبق أفيلال، والذي درس الفن بإسبانيا ثم اشتغل بعد عودته إلى المغرب أستاذا للفنون التشكيلية، وشارك في العديد من المعارض الجماعية والفردية داخل طنجة وخارجها.
ولعل الجيل الجديد الذي يقود جمعية الشعلة بطنجة وفرع بني مكادة على الخصوص، كان له الأثر البارز في هذا التطور الذي عرفته أنشطة الجمعية هذا الموسم وتحتاج إلى تجويد أكثر، مع هذه الأيام الثقافية وقبلها منذ بداية الدخول الثقافي شهر أكتوبر الماضي، بقيادة مجموعة من الأسماء التي لها بصمات محلية واضحة، يوسف قريقز وعبد الله بديع، ومحمد العربي أكعرير، أبو بكر بن عمر المنصر، حمزة الدقون، عدنان عبد المومن، فاطمة الزهراء بن سليمان، وكريمة العافية، وكوثر أكعرير، وغيرهم كثير، حيث يتميزون بالتعامل مع الجميع ومن مختلف الأطياف، مما جعلهم يحظون بقبول مقبول وسط الساحة الثقافية المحلية.
وساعدت البرمجة التي نجدها نوعا ما متنوعة، على جلب أكبر عدد من المهتمين بالشأن الثقافي بمدينة طنجة عامة وبمنطقة بني مكادة خاصة، فكانت لقاءات حول الأدب ممثلا في الشعر والقصة القصيرة والرواية والترجمة إلى جانب الفن ممثلا في الكاريكاتير والمسرح، فضلا عن قضايا عامة ذات راهنية من خلال فتح النقاش حول الدعم العمومي وسؤال الحكامة، وهو ما مكنها من ضمان متابعة يمكن أن نقول عنها لا بأس بها بالنظر لوضعية الثقافية بالمدينة، وبالنظر أيضا للظروف التي أحاطت بهذا النشاط.
بقي فقط أن نشير إلى أنه في الوقت الذي يتحدث فيه البعض على أن الشأن الثقافي بطنجة والمغرب عموما يعيش على إيقاع أزمة، جاءت الأيام الثقافية التي نظمتها جمعية “الشعلة للتربية والثقافة فرع بني مكادة”، (بني مكادة العظمى على حد تعبير صديقنا الإعلامي عبد الحفيظ شنكاو) لتعطي إمكانية إحياء العمل الثقافي من جديد إذا توفرت الحدود الدنيا من شروط معينة.