من المؤكد أن مدينة طنجة تسير بسرعتين مختلفتين تماما ومتضادتين: سرعة قصوى تتلخص في المشاريع الملكية، منذ انطلقت فكرة “طنجة الكبرى“، مما يجعل طنجة تنافس المدن الكبرى اقتصاديا.
وسرعة بطيئة جدا، تجعل المدينة تتقهقر إلى الوراء وتؤثر – بالتالي – على الصورة الأولى لتعطيَ انطباعاً بأننا أمام قرية نائية وليس أمام مدينةٍ يحكي تاريخا أن أمريكا قررت يوماً أن تجعلَ فيها أولى قنصلياتها.
مناسبة هذا الحديث، هو ما قاله محمد الشرقاوي، رئيس مقاطعة طنجة المدينة، في تصريح صحافي، عندما كشف أن إصلاح مصباح واحد بأحد الأحياء يتطلب مساراً معقدا وطويلا.. ومأساويا في الحقيقة.
تصوروا معي أن يكون إصلاح “بومبية” في مدينة عالمية كطنجة أعقد من إنجاز مشروع كامل من مشاريع طنجة الكبرى.
ولكي نفهم الحكاية أكثر، ومن خلال ما قاله الشرقاوي، دعونا نتخيل قصة المواطن “سين” التي سأحكيها لك كأنها “خْرافة”، على رأي جدّاتنا:
“سين” مواطن صالح، يعود إلى بيته في أحد الأمسيات، ليكتشف أن الحي يغرق في ظلام دامس بعد أن تعطل مصباح عمود الإنارة.
يتصل “سين” بالمستشار الجماعي الذي يمثل حيه ويخبره بالموضوع ويطلب منه التدخل.
وهنا تبدأ سلسلة رهيبة من البيروقراطية التي يصعب أن تصدقوها:
سين يتصل بالمستشار ليخبره أن “البومبية مخسرة“.
المستشار يتصل برئيس المقاطعة ليخبره أن المواطن أخبره أن “البومبية مخسرة“.
رئيس المقاطعة يتصل بالعمدة ليخبره أن المستشار أخبره أن المواطن أخبره أن “البومبية مخسرة“.
العمدة يتصل بشركة “لاماليف”، المفوض لها القطاع، ليخبرها أن رئيس المقاطعة أخبره أن المستشار أخبره أن المواطن أخبره أن “البومبية مخسرة“.
“لاماليف” تخبر العمدة بتاريخ الإصلاح، فيخبر رئيس المقاطعة، الذي يخبر المستشار، الذي يخبر المواطن !!!
الحقيقة أننا لم نعد أمام عملية إصلاح، بل أمام مسلسل تركي رديء من 5 أجزاء، بنهاية حزينة جدا.
ولأننا، في موقع “طنجاوة“، جئنا ونحن نتبنّى مدرسة “صحافة الحلول” أو “الصحافة البناءة“، وهي مدرسة حديثة تؤمن بأن دور الصحافي ليس فقط النقد، بل المشاركة في طرح الحلول.
ولأننا كذلك – أقول – فإن حل هذا المشكل أراه كالتالي: إحداث منصة رقمية خاصة بالإنارة العمومية، يضع فيها المستشارون الجماعيون مطالب الساكنة، وتطلع عليها المقاطعة والمجلس الجماعي والشركة المفوض بها القطاع.
بهذا الشكل يمكن للشركة الاستجابة بشكل فوري، كما يمكن للمجالس المنتخبة متابعة مسار المشكلة أو الطلب..
ساهلة ماهلة!