ابراهيم المراكشي
أطلق العرب، في عز نهضتهم الحضارية، على الطبيب اسم الحكيم، صفةً ولقباً، إذ كان الطبيب، جامع مانع، يجمع بين الطب وعلوم أخرى كالجبر والفلك وعلم الكلام والفلسفة والأدب والشعر والتاريخ، والجغرافيا، إضافة إلى الأخلاقيات والتفقه في الدين الاسلامي، والتبحر في علومه، نذكر على سبيل المثال ابن سينا وأبو بكر الرازي وابن النفيس وعباس بن فرناس، وابن طفيل، وابن الهيثم، والزهراوي، وابن زهر، واللائحة تطول…
ولأنهم يتصفون بملكة الفطنة والذكاء وبالحكمة، زاوج الكثير منهم بين مهنة الطب ومهن أخرى كالوزارة مثلا.
كان للطبيب مواصفاته الخاصة، فهو موسوعة شاملة، صادق في مهامه، حكيم في تصرفاته. ولهذا أصبغ العرب على الطبيب لقب الحكيم. أما اليوم فقد زاوج الطبيب بين مهنته ومهمة تكديس الأموال، ولو على حساب معاناة المرضى وأسرهم، تصل أحيانا إلى درجة الابتزاز، فلا تخلو دار من قصة ألم ومعاناة في هذا المضمار.
كم من ضحية أخطاء طبية جسيمة إما في التشخيص، وإما أثناء التشريح؟ وكم منا من لم يطلب منه تقديم “النوار” في إطار “التخلويض” أولا قبل إجراء العملية الجراحية؟ أو إلزامه بتقديم شيك كضمانة، مع ضرورة توفر رصيده في الحساب على المبلغ المطلوب حتى ولو كانت حياة المريض على المحك؟ وكم وكم وكم…
نحن لا نعمم في هذا الصدد، فالقطاع يضم العديد من النزهاء الشرفاء، الذين يحكمون ضميرهم ويتفانون بإخلاص في أداء مهامهم، لكن توجد فئة حولت هذه المهنة إلى تجارة، فأصبحت صحة المواطن خاضعة لمنطق الربح أو الخسارة، ومنهم من حول وجهته نحو قبلة الاستثمار في العقار والبناء، فصاروا مقاولين في هذا المجال، حتى اختلط عليهم الطوب بالبشر، وصاروا يعاملون المرضى كما يتعاملون مع الآجور والحجر. وبعضهم آثر أن “يستثمر” جهده في معاناة المرضى وآلامهم، يتعامل مع المريض من زاوية قيمية نفعية، وليست إنسانية.
هذه الفئات أساءت لمهنة الطب وأضرت بصورتها، وجردتها من طابعها الإنساني. فتحية تقدير واحترام لكل طبيب مازال متمسكاً بقسم وقيم أبقراط، في زمن طغت فيه الماديات، وعلت فوق القيم والأخلاق.
من فضلكم يا سادة، المغرب ليس في حاجة لأطباء، وإنما في حاجة لحكماء. الفرق واضح بينهما.