أزمة العطش التي تحولت إلى موعد سنوي بعدد من المدن ليست طارئة أو عابرة، بل هي تحصيل حتمي لتحذيرات وردت في عدة تقارير دولية صدرت قبل سنوات.
تقارير نبهت، وبشكل صريح إلى أن المغرب مهدد بندرة الماء، لكنها هذه التحذيرات لم تكن كافية لإقناع الحكومات المتعاقبة بالاستعداد للسنوات العجاف.
حدث هذا قبل أن تجد الدولة نفسها في مواجهة احتجاجات أخمدتها بالهراوات والاعتقالات، بعد أن توزعت رقعتها الجغرافية لتتجاوز مناطق العطش التقليدية، إلى مدن كانت إلى وقت قريب غير معنية بأزمة الماء.
ففي سنة 2016، وقبل اندلاع احتجاجات العطش شهدت مدينة تطوان أزمة ماء غير مسبوقة، نغصت حياة أزيد من نصف مليون مواطن، بعد أن هوى المخزون المائي إلى أرقام مخيفة نتيجة تراجع نسب التساقطات المطرية لثلاث سنوات متتالية.
شح المطر جعل المخزون بالكاد يكفي لثلاثة أشهر، ما دفع السلطات إلى اتخاذ الخيار الوحيد المتبقي في غياب بديل آخر.
حدث ذلك من خلال تقليص استهلاك الماء بنسبة 30 في المائة، وفرض ساعات محددة لتزويد ساكنة مدينة تقع جغرافيا ضمن منطقة تعرف تساقطات مطرية مهمة، لكنها صارت مهددة بانعدام تام للماء، والغرق في العطش، في حال استمرار انحباس المطر لأسابيع إضافية.
هذه الأزمة كشفت ومن جديد أن ندرة الماء لم تعد حكرا على المناطق الجنوبية، أو على الجنوب الشرقي في ضل عدم انتظام التساقطات الذي أضاف أسماء جديدة تزاحمت في قوائم مدن العطش.
طنجة والعطش
اليوم صارت مدينة طنجة بدورها مهددة بأزمة عطش عد أن أوشك رصيدها المائي على النفاد.
سيناريو كان متوقعا بعد أن تم التعامل قبل سبع سنوات بتهور كبير مع ثروة المدينة المائية على محدوديتها من خلال الإفراط في سقي مساحات شاسعة من العشب بالمياه الصالحة للشرب للحصول على مدينة خضراء، في تجاهل تام لتحذيرات فعاليات المجتمع المدني من السنوات الظمأ التي تنتظر الساكنة في حال استمر الأمر.
الأرقام جد مقلقة وتشير إلى أن سد 9 أبريل بطنجة يتوفر فقط على 58 مليون متر مكعب من أصل 300 مليون مكعب التي تشكل طاقته الاستيعابية.
حقينة سد دار خروفة بإقليم العرائش الذي صار بديلا لإنقاذ طنجة ليست بأفضل حال بدورها، فالسد الذي تصل طاقته الاستيعابية العادية ل 480 مليون متر مكعب، يتوفر فقط على143 مليون متر مكعب بنسبة ملء 29,8 بالمائة.
هذا السد تم اللجوء إليه في إطار تدابير استباقية ومستعجلة اتخذتها وزارة التجهيز والماء بتنسيق مع وكالة الحوض المائي اللكوس ضمن مشروع في إطار مشروع كلف 187 مليون درهم حتى لا تجد مدينة طنجة نفسها بدون ماء.
استنادا للأرقام، الوضع جد صعب، ومن جهة أخرى فإن استمرار الحقيبة في الانخفاض سيعقد المهمة بسبب التوحل ونمو الطحالب التي تغير من لون ومذاق الماء ما يرفع من كلفة معالجته.
تحذيرات مهيدية
محمد مهيدية، والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، كان واقعيا حين وضع مهلة ثمانية أشهر لاستنفاد رصيد المدينة من الماء.
حدث ذلك السنة الماضية قبل أن تسعف التساقطات المطرية التي حملتها أمطار رعدية في انقاذ الوضع، وتجاوز المرحلة الحرجة، لكن العداد عاد للمستوى الأحمر من جديد مع اقتراب الصيف وارتفاع الطلب.
اليوم تبقى المدينة ملزمة بمد الكأس للبحر من خلال مشاريع لتحلية المياه وهو الخيار الذي يبقى مطلبا ملحا ومستعجلا.
أولوية فرضت على عدد من المدن الكبرى بعد أن تفاقم الوضع بشكل خطير بشكل استدعى إعلان حالة طوارئ مائية بالبلاد بسبب تراجع التساقطات المطرية التي انخفضت منذ الثمانينات من القرن الماضي بحوالي 30 في المائة.
ناقوس الخطر الذي يدق بطنجة يؤكد أن المغرب صار يصنف ضمن البلدان التي تعاني من إجهاد مرتفع للموارد المائية، وأنه يقترب تدريجيا من وضعية الندرة القصوى للمياه في حال انخفض نصيب الفرد من المياه إلى دون 500 متر مكعب لكل نسمة.
وبالأرقام فإن الكلفة الحالية لتردي الموارد المائية تقدر بحوالي 16 مليار درهم سنة 2014، أي ما يعادل 1.5% من الناتج الداخلي الخام.
هذا فيما تتراوح كلفة تعبئة الماء ما بين 2 و6 درهم للمتر المكعب بالنسبة لمياه السدود، وما بين 10 و20 درهم للمتر المكعب في ما يخص مياه البحر المحلاة، في الوقت الذي تقلص فيه المخزون من المياه الجوفية بأزيد من النصف منذ سنة 2000.
توزيع غير عادل
سرعة زحف العطش في اتجاه مدن جديدة يكرسها التوزيع المجالي غير العادل لموارد ومصادر المياه.
يحدث ذلك بسبب تمركز حوالي 70% من موارد المياه في مناطق معينة تمثل 15% من ساحة التراب الوطني، أخدا بعين الاعتبار أن الحوضين المائيين للوكوس وسبو يتوفران معا على حوالي نصف حجم المياه السطحية، وأن الأحواض المائية السبعة المتبقية تتقاسم نصف الباقي من المياه السطحية، وهو ما فرض اللجوء لإنجاز طريق سيار للماء.
ويبقى لافتا عدم مبادرة الحكومة إلى الآن للتصدي لخطر كبير يهدد الأمن المائي للبلاد، في ظل امتلاء السدود بالأوحال العالقة في قعرها، والتي تهدر 75 مليون لتر مكعب من السعة الإجمالية للسدود الوطنية، حيث يقدر حجم المياه غير المستغلة جراء هذه الأوحال بحوالي 2,1 مليار متر مكعب سنويا، تصب في البحر لتعذر المحافظة عليها، وهي كمية تمثل حوالي 12% من مجموع المياه التي توفرها السدود سنويا، علما أن 40 سدا تواجه حاليا مشكل الأوحال بعد أن فقد بعضها أكثر من نصف سعة التخزين.
المفارقة أن جهة الرباط كما هو حال جهة طنجة أصبحت بدورها ضمن المناطق المهددة بمشكل ندرة الماء، في حال عدم البحث عن موارد جديدة، وعلقنة استعمال هذه المادة الحيوية، وهو وتحذير سبق وأن تم إطلاقه سنة 2016، دون أن يلقى أي آذان صاغية.