هو واحد من أشهر شوارع مدينة طنجة الرئيسية، وقد كان قبل عقدين تقريبا وما قبلها قبلة للطنجاويين الذين يريدون الترويح عن النفس والقيام بجولة في “المدينة”.
كانت “المسارية” في شارع “البوليبار” طقسا مألوفا لأهالي طنجة يمارسونه كل يومي جمعة وسبت خصوصا، صعوداً ونزولاً، مشياً على الأقدام، أو جلوساً في مقاهيه، وربما ما زالت قلّة قليلة تحافظ على هذا الطقس مع الاختلاف في كثير من التفاصيل.
أما اليوم، فقد أصبحت طنجة كلها “مدينة كبرى”، وأصبحت أماكن الترفيه بالعشرات؛ فتوارى اسم “البوليبار” إلى الظل، ولم يعد يعني الكثير لأحد، مثل أشياءَ أخرى كثيرة بعروس البوغاز.
حتى اسم “البوليبار” نفسه بدأت في التواري، واستبدلت باسم “البولفار” أو “سونطر فيل”، أو حتى “بولفار باستور” أحيانا.
لم يعد البوليبار مكانا للترويح عن النفس، بل مكانا للتسوق أو العبور أو حتى التباهي وسط ضجيج وزحام خانق يبدأ صباحاً، ولا ينتهي إلا فجر اليوم التالي.. إن انتهى !
يقول هشام البخاري، الفاعل الجمعوي المهتم بتاريخ طنجة ومآثرها، إن منطقة “سور المعكازين” خصوصا “كانت عبارة عن هضبة صغيرة تميزها إطلالتها على جزء من طنجة ومينائها وأسوارها العالية وكذا هضبة الشرف، ناهيك عن زرقة المتوسط والسواحل الإسبانية”.
يضيف البخاري مفصلا في تاريخ المنطقة: “هضبة كانت خلال القرن التاسع عشر بمثابة مزرعة في ملكية الراعي الفراسكيطو الإشبيلي قبل أن يقوم ببيعها سنة 1870، مع ما كانت تشمله من منطقة السور حاليا وجزء مهم من البوليبار وزنقة أنوال حاليا أو منطقة سيرفانتيس، كما هو متعارف عليه محليا، إلى رجل أعمال إسباني آخر مقيم بطنجة اسمه أنتونيو نونيز ريينا، عمّ اسبيرانسا اورليينا، التي شيدت لاحقا مسرح سيرفانتيس سنة 1913، بسعر جزافي هو 25 دورو، في وقت كان يعتبر من الجنون امتلاك بقعة بتلك المنطقة الموحشة من ضواحي طنجة المليئة بالمستنقعات خصوصا بفصل الشتاء”.
وبخصوص تاريخ التسمية وأسبابها، يوضح البخاري: “عرف البوليبار أول تسمية له، حين أطلق عليه اسم “بوليبار اكسيال”، ليحمل بعد ذلك اسم “دار الدين المغربي” نسبة إلى أول بناية شيدت سنة 1910 بالبوليبار، وهي مقر دار الدين المغربي أو دار السلف، المكلف بتحصيل الديون المتراكمة على المغرب، وهي البناية التي ما زالت موجودة إلى اليوم، متمثلة في المقر الحالي لمؤسسة عبد الله كنون والمندوبية الجهوية للسياحة”.
وابتداء من سنة 1920، يضيف البخاري، “سوف تقوم عائلة توليطانو بتشييد أولى البنايات السكينة بالمنطقة وهي عبارة عن فيلات فاخرة وعمارات أنيقة من 4 طوابق لا يزال بعضها قائما مثل أول مقر للمحكمة المختلطة لطنجة (مقهى زاكورة حاليا)، وفي الفترة نفسها تم افتتاح مقهى باريس كأول مقهى عصري عرفته طنجة خارج المدينة القديمة، شيدها الأوروبيان هالير وموي عملت على تسييره في بادئ الأمر سيدة فرنسية هي مدام ليونتين قبل أن تبيع الأصل التجاري للإسباني غارسيا”.
وزاد المتحدث أنه، مباشرة بعد توقيع الاتفاقية الخاصة بإدارة وتسيير المنطقة الدولية لطنجة من لدن فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإيطاليا بتاريخ 24 يوليو من سنة 1925، “أطلق اسم “باستور” على البوليبار؛ وهو الاسم الذي لا يزال يحمله إلى يومنا هذا، ليصير إلى جانب شارع أو طريق “فاس” من الشوارع التي حافظت على تسميتها من دون تغيير عبر فترة زمنية طويلة”.
ويوضح الفاعل الجمعوي سالف الذكر أن المنطقة التي يوجد بها فندق المنزه وعمارات المنبهي كانت، إلى حدود العشرينيات من القرن الماضي، “تحمل اسم طريق فاس كما هو مبين بخريطة نادرة لمصالح الأشغال العمومية لطنجة تعود إلى سنة 1915 أتوفر على صورة منها قبل تسميته من طرف سلطات الإدارة الدولية بشارع النظام “ستاتو” نسبة للنظام الدولي للمدينة، ثم شارع الحرية بعد عودة طنجة إلى السيادة المغربية سنة 1957″.