ذ. مصطفى الهاشمي – كاتب من طنجة
ساحة 9 أبريل (السوق د برا) بطنجة غنية بالمعالم التاريخية الطبيعية. فعند مدخل المحكمة التجارية (حدائق المندوبية) توجد ثلاثة أشجار ضخمة، تزيد أعمارها عن قرنين من الزمان .
وقد أخذت هذه الأشجار بطبيعتها النباتية مكانا متقاربا في ما بينها، وخاصة شجرتان: حيث اتحدتا وتشابكتا ضد عوامل الزمن وتقلبات الدهر لتصبح شجرة واحدة.
وأصبح لهذه الأشجار/ الشجرة مع مرور القرون وضع خاص وجميل، حتى أنها لكبر حجمها حمت نفسها بنفسها بعد أن نبتت أعمدة من الأرض لتتحمل ثقل هذه الأشجار .
مشهد بديع وفني رائع.. سبحان الذي خلق وقدر !
هذه الأشجار يبلغ طولها حوالي 35 متراً وعرضها يصل إلى 10 أمتار، بينما تمتد عروقها إلى مسافات شاسعة إلى حدود شارع ايطاليا، حيث تُرى بالعين المجردة لأن تعرية التربة كشفتها، وهذه التعرية أكسبتها قوة في التحمل مع مرور الزمن.
هذه المعلمة لم يتم التعريف بها في أي برنامج سياحي سواء عربي أو أوروبي، بل كل البرامج التعريفية بطنجة تتجاهل هذه المعلمة.
هذه المعلمة غير مستقلة – مع الأسف – بل تابعة لفضاء المحكمة التجارية، ولا يمكن زيارتها إلا اثناء الدوام الإداري.
يأتي السائح لطنجة فتنحصر عنده الاختيارات السياحية، ليس لكونها قليلة بل لأنها غير مُعَرّفة .
توجد في تركيا – مثلا – شجرة عمرها 400 سنة، تبنتها وزارة السياحة، فزينتها بأماكن ترفيهية من مقاهي وأكشاك مع المحافظة على الرونق الطبيعي للمكان، وجعلت سعر الزيارة محددا في دولارين.
غير بعيد من هذه المعلمة – الأشجار- توجد مقبرة ألمانية، تم إعدامها بقرار إداري غير مسؤول في حدود سنة 1990، وكانت تحتوي على أطباء وعلماء ألمان وغيرهم من الأوروبيين، ممن قدموا خدمات لساكنة طنجة . لكن لا يزال بعض بقايا هذه القبور قائما، ويعود تاريخها إلى القرن 17.
في مراكش حديقة أسسها الرسام الفرنسي “جاك ماجوريل” سنة 1924، وحين توفي لم تسعَ بلدية مراكش إلى شرائها، وكادت أن تتحول إلى عمارة، لولا تدخل مصمم الأزياء الفرنسي ايف سان لوران الذي قرر شراءها وإعادة بعث الحياة في نشاطها وذلك سنة 1980، وهي تستقبل في المتوسط ألف زائر يوميا بأربعين درهما للفرد أي حوالي 4 دولارات .
السائح لا يمكن أن تترك له فراغا في وقته، وهو نفسيا مهيأ للدفع، لذا نرى في الدول السياحية أماكن لا تستحق أية رسوم، لكنك تجدها مزدحمة بالسيّاح .
أذكر أني كنت ذات صيف في اسبانيا في قرية جبلية اسمها ميخاس تابعة لمدينة فوينخيرولا فوجدت عربة أشبه بمتحف، على شكل قطار، في داخلها معرض لأصغر الأشياء. ( أصغر ساعة، أصغر لوحة، أصغر كتاب، أصغر قفل..إلخ) وثمن الدخول 3 أورو . المعرض عبارة عن خدعة ماكرة، وبثلاثين درهما .
أنظر كيف يستثمرون من لاشيء، وكيف نفرّط نحن في تراثنا وتاريخنا.