وتسلم رشيد الضعيف الجائزة من يدي محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة المانحة للجائزة، وذلك ضمن فعاليات الموسم الرابع والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، بحضور ثلة من الأدباء والكتاب والمفكرين العرب.
في كلمة بالمناسبة، أعرب رشيد الضعيف عن سعادته بالحصول على “الجائزة التي تشكل حافزا، بقدر ما يرقى مستواها وتشتد جديتها، تصعب المسؤولية التي تلقيها على كاهل مستحقها”.
وتحدث المحتفى به عن خصائص ممارسته في كتابة الرواية بين الحقيقة والواقع بعيدا عن المقولة النقدية السائدة لدى عامة الناس أن “الفن صورة عن الواقع”، مبرزا أنه سعى دوما إلى توظيف ما نسيمه “الواقع” أو “الحقيقة” في خدمة الرواية وليس العكس.
وقال إن كتاباته تنهل جميعا من “الأنا والناس جميعا”، إذ ما استنفذت موضوعا معينا حتى أعدل عنه إلى موضوع آخر، حيث كتبت عن الحرب الأهلية في لبنان، وعن العلاقة بين الرجل والمرأة، وعن الانتماء والهوية، وعن الحداثة والتقليد، وعن القدر وغيره من المواضيع، مضيفا “يحتل المكان الذي أعيش فيه وجداني بقوة”.
على صعيد آخر، سجل أن كاتباته الروائية تتراوح بين نوعين أو طرفين اثنين أطلق عليهما اسم “الرواية الدنيا” و”الراوية الفصحى”، مبرزا أن الأولى هي المكتوبة بلغة قريبة من التداول، وتتناول مواضيع لا ينصح الأبن ابنته بقراءتها وهي أيضا رواية لا تتداول في الحيز العام، ومن هذا الصنف رواية “ألواح”.
وتابع بالمقابل هناك “الرواية الفصحى” المكتوبة بلغة فصحى مشبعة مليئة بالإحالات الثقافية التراثية، مبرزا في هذا السياق روايته “تقنيات البؤس”.
عن علاقة الحرب بالأدب، أبرز أن “الحرب أرته أن الأدب، وربما الفنون كافة، مرتبطة بالشر والألم والأوجاع والمآسي، الحرب أورثته الكتابة بحرية”، مؤكدا بكل ثقة أن “الحرية هي المسؤولية الكبرى، لأنه قد تؤدي بك إلى الهلاك، أو إلى نيل جائزة محمد زفزاف للرواية العربية”.
من جهته توقف محمد بن عيسى عند أهمية جائزة محمد الزفزاف للراوية العربية، التي نالها هذا العام روائي يكتب عن العالم بطريقة مميزة وبقلم فريد.
وقال بن عيسى “هذه الجائزة هي وسيلة للتأكيد على خلود العمل الإبداعي الأدبي وزيادة إشعاع عمل الكتاب”.
إثر ذلك، قدم أعضاء لجنة تحكيم الجائزة، التي ترأسها الناقد المغربي سعيد يقطين، وضمت في عضويتها الروائيين والأكاديميين شكري المبخوت (تونس)، سعيد بنكراد (المغرب)، وكاتيا غصن (لبنان)، وحبيب عبد الرب سروري (اليمن)، وحسن بحراوي (المغرب)، بالإضافة إلى محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، لمحة عن مسار اختيار الفائز بالجائزة، والمداولات التي جرت بين الأعضاء وتوجت بمنح الجائزة لكاتب استطاع، على امتداد 4 عقود، أن يقدم للمشهد الروائي العربي رصيدا متنوعا وغنيا ومقنعا، هو الروائي اللبناني رشيد الضعيف.
وبدأت مسيرة رشيد الضعيف (1945) الروائية في نهاية السبعينات، إذ خاض تجارب روائية عديدة، تغلغل عبرها في الذاكرة، وقارب الحرب اللبنانية من زاوية تفكك الوعي النفسي.
وخطى نحو رواية ما بعد الحرب، التي اتخذت طابعا حميميا، عبر من خلاله عن العلاقة الشائكة بين الشرق والغرب، وعن تناقضات المجتمع الذكوري، ومختلف مؤسساته.
كما كتب التخييل الذاتي وخاض تجربة الرواية الفانتازية، وإن تلفعت محكياته أحيانا، بمجازات تراثية. ذلك أن هواجس ما يجري في تربة الجغرافيا المعقدة المسماة “العالم العربي” من التباسات اجتماعية، وتقاطب فكري وعقدي، واحتراب جسدي، وارتداد مطرد إلى أسئلة الغيب، ما هو إلا صيغة أخرى لحرب مخفية بين التلافيف والحنايا، لا تلبث امتداداتها أن تستعر مع ازدهار عوامل النكوص إلى المحافظة وتراجع مكتسبات النهضة.
وتنطوي أعمال رشيد الضعيف على جرأة نقدية، لا تعيد كتابة ذاتها. فقد اختار، عكس التيار، أن لا يدخل الرواية من باب السرديات التاريخية الكبرى، ولكنه قارب فن الرواية والتراث العربي والحداثة وما بعدها وتشظي الفرد والمجتمع، عبر الغوص في ذات الراوي/ المثقف العربي، وتناقضاته، بأسلوب موارب، يتعمد الاستسهال ولا يسقط فيه، ويخفي ما أمكن خلفيات النص النقدية، بلغة مصقولة ونافذة الأثر.
والأمر الأكيد أن أعمال رشيد الضعيف، بما تشتمل عليه من رؤى جمالية وإنسانية فارقة في مسار الرواية العربية اليوم، وباعتبار قيمتها الفنية والفكرية، قد خدمت الثقافة العربية.