صادق مجلس جماعة طنجة في دورته الأخيرة، على برمجة فائض ميزانة 2023 ، حيث تقرر بذلك دعم تنظيم تظاهرة اليوم العالمي لموسيقى الجاز بطنجة.
وتم رصد غلاف مالي قدره (500 مليون سنتيم) لإتفاقية شراكة وتعاون من أجل دعم وتنظيم التظاهرة الدولية، والتي ظفرت عاصمة البوغاز بشرف احتضانها بعد خوض منافسة ومدن أخرى على المستوى الوطني والدولي.
إن واقع الحال بالمدينة يجعل من مسألة تحقيق فوائض أمرا يتطلب الوقوف عنده طلبا للفهم، كما أن قرار “الدعم” يضعنا أمام سؤال صوابية إجهاد مالية الجماعة في تمويل هكذا مهرجانات؟
ولعل الخرجة الإعلامية الأخيرة لنائب عمدة المدينة السيد “محمد غيلان ” قد حملت في طياتها بعضا من عناصر الإجابة، حيث كشف بأن استقبال هذه التظاهرة ودعمها، له “فلسفة” على حد قوله، وأقر بأن التنافس لاستقبال هذا الحدث هدفه أو “فلسفته”: خلق حركة سياحية وتجارية في المدينة، واعتبر أنه: لا يمكن أن نربط الحدث (اليوم العالمي لموسيقى الجاز) والدعم المتمثل في 500 مليون سنتيم مع “حفرة في المدينة” مثلا، وهذا فهم قاصر لتدبير المال العام والتسويق وفلسلفة التدبير العمومي الجديد.
وإذا كان صح كلام المسؤول الجماعي عن عدم جدوى ربط حدث من هذا الحجم بـ”حفرة في المدينة”، فإنه جانب الصواب في اختزال النقاش حول جودة الخدمات من طرق وإنارة وأسواق…، في “حفرة في المدينة” لأن الحفر ما أكثرها في شوارع وأزقة المدينة.
إن اختيار المجلس الجماعي لهذا المنحى في التعاطي مع تدبير المال العام يتجاهل أهمية ترتيب الأولويات، ويحيد عن محددين بالغي الأهمية.
أولا: التوجهات الاقتصادية العامة للدولة، إننا إبان محاولات تنزيل نموذج اقتصادي مبني على الإنتاج والإنتاجية، وهو الأمر المضاد لمفهوم اقتصاد الاستهلاك، ناهيك عن الحدث الذي يزعم استقباله في الأفق (كأس العالم 2030)، فالحاجة إذا على المستوى الترابي تروم لتحقيق تنمية حقيقية ومحاولات ضم العاطلين على المستوى الترابي، خصوصا وأن القانون التنظيمي للجهات ينص في أحد بنوده؛ أن على الجماعات الترابية أن تعمل مستقبلا على ما يسمى بميزانية البرامج، بمعنى أن تنفيذ الميزانية يجب أن يرتبط “بالإنتاجية”.
ثانيا: إن الانكباب إلى التنافس حول استضافة المهرجنات في الضرفية الحالية، فهم قاصر لروح التدبير العمومي الجديد، حيث الأَوْلى أن يوجه التركيز على الإعداد الجيد لتنظيم كأس العالم لكرة القدم “2030”، ، وهو الأمر الذي ينسجم وتنمية المدينة، وتمهيد الأرضية لهذا الحدث العالمي، يمر حتما عبر تجويد الخدمات المقدمة للمواطنين والمواطنات “الطرق – النقل – الإنارة…”، وهو الطرح الذي تسنده روح القانون التنظيمي الخاص بالجماعات، سواء في قسمه الخامس “النظام المالي للجماعات” بشكل عام، وفي مادته 78 التي أقرت مبدأ الأولويات حيث جاء في خضمها “…يجب أن يتضمن برنامج عمل الجماعة تشخيصا لحاجيات وإمكانيات الجماعة وتحديدا لأولوياتها…”.
وبناء على أن الدعم المخصص لتنظيم اليوم العالمي لموسيقى الجاز جاء من فائض محقق يأتي السؤال البديهي؛ ماذا لو لم نكن نتوفر على فائض؟ من أين سندعم هذا الحدث الذي تم الترشيح له والفوز به؟ ومن هنا يمكن استنتاج أن هناك سوء تدبير وتوقع، بل وغياب تخصيص مالي مسبق قبل خطو الخطوة، وهو الأمر الذي يصعب تفسيره ضمن مقولة “فلسفة التدبير العمومي الجديد”!
ومن جهة أخرى تعاني ميزانية جماعة طنجة من خلل على درجة كبيرة من الحساسية، حيث أن تحقيق جماعة طنجة للفائض أمر سلبي، نتاجه عملية يمكن تسميتها “سوء في تنفيذ الميزانية وضعف تدبيري وخلل في التوقع”، وهو أمر الذي ينظر إليه الخبراء في مجال المالية على أساس “الفائض مؤشر على أن الجماعة لها أموال ولا تعرف ما يمكن أن تفعل بها”.
وهو ما يميز ميزانية طنجة في ظل المشاكل التي تعاني منها، على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ، ناهيك عن أحياء أصبح حديث صباحها ومساءها حول المصابيح الإنارة والحفر، وهو ما يدل على أن الفائض المسجل بميزانية جماعة طنجة غير علمي، خصوصا مع استفحال إشكالية المديونية، والذي يتركز في حالة جماعة طنجة في مديونية المنازعات بالدرجة الأولى، والقروض بدرجة ثانية.
فهل في ظل هكذا وضع، ستستطيع جماعة طنجة تنزيل واحترام التبويب الميزانياتي التي اعتمدته، وبرنامجها التي وضعته؟ هل الفاعل السياسي المحلي على القدر المطلوب من الوعي بالحاجيات وأهمية ترتيب الأولويات.
إن مسألة استقبال وفود 80 دولة بحساب 50 فرد عن كل وفد ، أي 4000 شخص إضافة للزوار المحليين بالمهرجان، سينعش مداخيل الفاعلين في القطاع السياحي بالتأكيد، لكنه أيضا سيسقطنا لا ماحلة في تسويق صورة عن مدينة كبيرة مثل طنجة، بطرق دون المستوى وأخرى مرقعة، وبإنارة تحتاج للإنارة، وبنقل حضري ضعيف التغطية والأداء.
فما الفائدة إذن من ترويج القطاع إذا لم يعد ذلك بالنفع على ميزانية الجماعة؟ خاصة وأن القطاع السياحي بطنجة لطالما عرف عن عدد من فاعليه عدم الإلتزام بتحملاتهم اتجاه جماعة طنجة، ليستمر عداد الباقي استخلاصه في عد الفرص التنموية المهدرة.
باحث في العلوم الإدارية والمالية