رغم الإجماع المحلي والوطني على الأضرار البليغة التي تلحقها مقاهي الشيشة بالمجتمع والاقتصاد، خصوصا أن أهم الفئات التي تستهدفها هي فئة التلاميذ والمراهقين، إلا أن هذه المقاهي مازالت تنتشر كالفطر بشوارع طنجة، لتقطع أوصال الأحياء الراقية منها والعادية، وهي تنثر سمومها بين المرتادين بينما يجمع أربابها ملايين الدراهم شهريا من ترويج الممنوعات والتستر على كل أنواع الموبقات، وتيسير ممارسة الدعارة…
أمام كل هذا الخطر الذي تمثله هاته المقاهي، مازالت السلطات تتعامل بنوع من “التراخي” مع هاته الأماكن.. رغم أن الحملات المحتشمة التي تخوضها بين الفينة والأخرى تؤكد أنها “بؤر” لكل أنواع الممنوعات..
كما حصل الأسبوع الماضي عندما قادت حملات إلى إيقاف أربعة مسيرين لمقاهي شيشة، وحجز كميات من المعسل والنرجيلات، والمشروبات الكحولية وقنينات الضحك (غاز الهيليوم)، ما يؤكد الخطر الكبير الذي تمثله هاته الأوكار على الصحة البدنية والعقلية لفئة الشباب والتلاميذ خصوصا.
ناهيك عن الأضرار البليغة التي تلحق بجيران هاته المقاهي، جراء استنشاق روائح الشيشة وغيرها من الممنوعات وكذا تحول بعضها إلى أوكار خفية للعديد من الممارسات اللاأخلاقية، ما يجعل العيش في هذه الأحياء قطعة من العذاب…
وهي الأفعال والأضرار التي اعترف العديد من مسيري تلك الأوكار باقترافها، ووثقتها أحكام قضائية سابقة…
ولا شك أن الرواج الكبير لمقاهي الشيشة والمداخيل المهمة التي يحققها أصحابها جراء الأنشطة المتنوعة التي يزاولونها، تعد حافزا للاستمرار في تلك الأنشطة، بل وتشجيعا لأصحاب المطاعم والمقاهي على تغيير الدفة نحو ترويج الشيشة وأخواتها من الممنوعات..
مادام هامش الربح كبيرا وحبل الردع قصيرا، وقد أكدت اعترافات العديد من المسيرين المعتقلين أنهم يقومون بترويج ما يقارب 600 نرجيلة يوميا بثمن يتراوح ما بين 120 و150 درهم للواحدة وأن المبلغ الإجمالي يصل كل ليلة إلى حوالي 60 ألف درهم، ناهيك عن عائدات الممنوعات الأخرى..
وهو ما يفسر الإقبال الكبير على هاته الأماكن التي تشتغل تحت مرأى ومسمع السلطات، بل إن منهم من يقبل الإتاوات، مقابل غض الطرف أو مداهمات “بهلوانية” تفضي إلى حجز بعض رؤوس المعسل وقنينات النرجيلة.
إن “الحرب” الحقيقة على “أوكار الشيشة” بطنجة تحتاج إلى تعليمات ولائية يصدرها الوالي التازي إلى كل الجهات، للضرب بيد من حديد على كل من يتساهل مع هذه الأنشطة الخطيرة، وأيضا لإطلاق يد السلطات المحلية من أجبل فعل المتعين ووقف زحف هذا الخطر الداهم على المجتمع الطنجاوي.. خصوصا مع اقتراب موسم الصيف حيث تتحول هاته الأوكار إلى “خلايا نشطة” تفتح أذرعها أمام الزوار لتقديم كل أنواع الممنوعات..
إن الخطر الداهم الذي تمثله مقاهي الشيشة لن تفيد معه “الكبدة الهشيشة” التي يتم بها تدبير هذا الملف.. خصوصا وأن دروس فاجعة مقهى كورنيش طنجة مازالت ماثلة أمام أعيننا.. وقد كان التحقيق الذي أنجزناه في موقع “طنجاوة” خير دليل على أن آخر الدواء لهذا الداء المستشري في عروس الشمال هو “الإغلاق”..
كيف لا وقد أجمع كل من تحدثنا معهم من ممثلي جمعيات آباء وأولياء أمور ومسؤولين تربويين ووقاية مدنية وجمعيات المجتمع المدني ومنتخبين على خطر هذه الاوكار، مطالبين بمعاملتها على نفس المنوال الذي كان يعاملها به الوالي السابق امهيدية حين أصدر قرارا بإغلاقها وإراحة الساكنة والنشء من شرورها، وخير مثال المصير الذي عرفته مقهى “لادريس” الشهيرة والمآل الذي عرفه ملفها..
إن تعليمات صارمة من الوالي التازي من شأنها إنهاء “طغيان” مقاهي الشيشة وعبثها بصحة ومستقبل شبان طنجة، وأيضا إثبات أن السلطة ليست عاجزة أمام هاته المحلات، كما ذهب إلى ذلك العديد من المنتخبين في تصريحات للموقع.. وهي التعليمات التي من شانها أيضا أن تكون بمثابة “العين الحمرا” للسلطات إزاء أعوانها الذي يفضلون الإتاوات على القيام بالواجب لردع أصحاب هاته المحلات.