أثارت الحملات التي تخوضها السلطات المحلية بمدينة طنجة ضد مقاهي الشيشة، والتي أسفرت عن “تشميع” 18 مقهى حسب توصيف السلطات نفسها، العديد من التساؤلات عن الطريقة التي يتم التعامل بها مع هذا “الداء المستشري” في أوصال جل مناطق المدينة ويتربص بشبابها، خصوصا التلاميذ.
وهو ما جعل مصادر تحدث إليها موقع “طنجاوة” تتساءل عن “الصيغة القانونية” التي تتعامل بها السلطات المعنية مع هذا الملف، وما إن كان استعمال مصطلح “التشميع” الفضفاض محاولة لتفادي خطوات أكثر حراة تجاه مسيري هاته المحلات، التي تروج لكل أصناف الممنوعات، سواء بالإغلاق المؤقت أو النهائي، وكذا متابعة كل من ثبت ضلوعه في ترويج تلك المواد الخطيرة.
حكاية مقاهي الشيشة في طنجة ليست وليدة اليوم، فقد عرف التعامل مع تواجد هذه الماكن بالمدينة مدا وجزرا حسب “المزاج العام” الذي كان يطبع الفترة المعنية، وأيضا حسب تقديرات السلطات المعنية لما يحدث داخل هاته الأماكن ودرجات استشعارها.. وهو ما كان ينعكس على ردود فعل هاته السلطات تجاهها بين الحملات الموسمية والإغلاق المؤقت أو النهائي، ثم متابعة أرباب ومسيري تلك المقاهي بسبب أنشطتهم المخالفة.
الاجتماع الحاسم.. الوالي امهيدية و”الحرب المعلنة” على مقاهي الشيشة
في هذا الصدد، لا يمكن إغفال مقاربة الوالي امهيدية لملف مقاهي الشيشة بالمدينة، إذ كان يعتبرها أماكن مخالفة تهدد الاقتصاد والمجتمع، وهو ما عكسه من خلال الاجتماع الشهير ( (pc de sécuritéالذي سبق الحملة التي قادت إلى إغلاق مقهى “لادريس” الشهيرة ومتابعة المالك والمسير وثلاثة نادلين.
الاجتماع الذي ترأسه الوالي وحضره والي الأمن ووكيل الملك والوقاية المدينة، كان فيه امهيدية واضحا: “انا لا أريد ان أرى مقهى واحدا للشيشة في المدينة، فهي أماكن غير قانونية”.. لتبدأ الحملة المعروفة، التي عرفت إغلاق الكثير من المقاهي وسحب رخصها بسبب مخالفتها للرخصة الأصلية، والتي تنحصر عادة في رخص مقهى أو مطعم، إذ غالبا ما يتعلق الأمر بتقديم الشيشة للزبناء وما يرافقها من ممنوعات وممارسات غير أخلاقية.
وهي الحملة التي انتهت بالقصة الشهيرة لمقهى “لادريس” وما تلاها من تطورات..
“لارديس”.. قصة مقهى أخطأ العنوان فانتهى أصحابه وراء القضبان
حصل موقع “طنجاوة” على تفاصيل القضية الشهيرة التي عرفتها مدينة طنجة، بعد أن قررت السلطات مداهمة وإغلاق مقهى “لادريس” ومتابعة مالكه ومسيره وثلاثة من المشتغلين به، وتوزيع أحكام على المتهمين اعتبرها العديد من المتتبعين رسالة قوية على رغبة السلطات في بعث رسالة قوية إلى “لوبي” مقاهي الشيشة بانه لا تسامح مع الخطر الذي تمثله أنشطتهم على صحة ومستقبل شباب طنجة.
فقد أثبت الحكم في قضية مقهى “لادريس” أن التعاون الأمني والقضائي فعاليته في ضبط هذه الأنشطة غير المشروعة وتقديم المسؤولين عنها للعدالة، مما يبرز أهمية التطبيق الصارم للقانون في حماية المجتمع من الأضرار الناتجة عن هذه الأنشطة.
ومن خلال تفاصيل الملف، فقد أسفرت مداهمة مقهى ومطعم “لادغيس” الكائن بطريق طنجة البالية، عن إيقاف مجموعة من الزبناء، كما تم إيقاف مالك المقهى ومسيرها وثلاثة من المستخدمين بها وتم حجز 140 كلغرام من مادة المعسل و360 نرجيلة و468 رأس محشو بمادة المعسل، و8 قنينات غاز للضحك، وعلبة من بالونات هوائية، وهو ما يبين خطورة المواد التي يتم ترويجها داخل هذه الأماكن.
أما اعترافات مسير المقهى فقد كشفت عن تفاصيل مثيرة، منها أنه بعد أن عمد إلى تغيير نشاط المطعم إلى تقديم الشيشة أصبح يتردد على المحل مجموعة كبيرة من الزبناء للاستهلاك، الى درجة أن المرآب الخاص بالمقهى لم يعد يكفي لسياراتهم فيضطرون الى ركنها بالفضاءات المجاورة، ما يتسبب في فوضى عارمة بسبب الوضعيات غير قانونية والعشوائية لها.
كما أقر بأنه يعمل على ترويج ما يقارب 600 نرجيلة يوميا، حيث تصل مداخيلها إلى حوالي 60 ألف درهم يوميا، حيث يتراوح مبلغ الواحدة ما بين 120 و150 درهها، كما اعترف بأنه يقتني قنينات غاز الهيليوم (غاز الضحك) بثمن 580 درهم للواحدة بقصد عرضها للبيع…
كما خلصت استنتاجات الشرطة القضائية في محضر الاستماع إلى المتهمين، وقناعة هيئة الحكم إلى نتيجة واحدة، هي أن ما كان يقوم به المتهمون من أفعال “يضر لا محالة بصحة المستهلكين”، كما سجل المحضر أن مجموعة من المواطنين المجاورين لهاته المقاهي يعانون جراء استنشاق روائح الشيشة وكذا تحول بعضها لأوكار خفية للعديد من الممارسات اللاأخلاقية، تجعل العيش في منازلهم أمرا لا يطاق”…
ليخلص الحكم الذي انتهى بإدانة المتهمين إلى أن “النرجيلة والمعسل وغازات الضحك تعتبر منتوجات فيها لا محالة خطر على صحة الانسان، مادام أن استعمالها متوقف على حصول رخصة من مكتب السلامة الصحية”.
ما أشبه اليوم بالبارحة.. ولكن !!
لقد أكد الحكم في قضية مقهى “لادريس” أن الأرباح الكبيرة التي تجنيها مقاهي الشيشة من الأنشطة غير المشروعة تجعلها جذابة للكثيرين، لكن المخاطر الصحية والاقتصادية الناجمة عن هذه الأنشطة تستدعي التدخل الصارم من السلطات.
كما أن اعترافات أرباب والعاملين في هذه المقاهي تستوجب على الجهات المختصة الصرامة وتشديد الرقابة لمنع استخدام الشيشة كغطاء لتوزيع مواد غير قانونية، وتعزيز الوعي بمخاطرها بين المواطنين.
مصادر تحدث إليها موقع “طنجاوة” قالت إن المدينة في حاجة ماسة اليوم إلى قرار حاسم وجازم من السلطات الولائية، لردع “لوبي الشيشة”، متسائلة عما عن كان الوالي التازي سيخطو نفس خطوات سالفه ويدعو إلى اجتماع (pc de sécurité) يضم المسؤولين الأمنين والقضائيين والسلطات المحلية، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف تناسل هاته الأماكن، بما تشكله من خطر كبير على المجتمع، وأيضا الحد من كل التواطؤات مع هذا اللوبي سواء من طرف بعض رجال السلطة الذين يرضون بالإتاوات مقابل المراقبة الصارمة، ويسمحون لهاته المقاهي باقتراف تلك الممارسات الممنوعة.