ذ. عبد الحق الحطاب
على غرار باقي المهن القانونية والقضائية، تعد مهنة المفوض القضائي لبنة أساسية لضمان حسن سير الإجراءات القضائية، وتلعب دورا محوريا في سير العدالة وتساهم بشكل مباشر في فعاليتها ونجاعتها، لا سيما فيما يتعلق بتبليغ وتنفيذ الأحكام والمقررات القضائية بمختلف أنواعها، وهي منظمة بمقتضى القانون رقم 81.03 الذي دخل حيز التطبيق منذ أزيد 18 عاما. لكن، بمرور السنوات الماضية، أبان هذا الأخير عن محدوديته في بعض الجوانب، كما تم رصد جملة من الثغرات من خلال الممارسين للمهنة، الشيء أدى إلى الانكباب على إجراء تقييم جذري لنصوصه، بما يسمح بتحديد نقاط الضعف والعوائق قصد تحسين مرونة هذه المهنة.
وبناء عليه، وبعد مخاض عسير وسلسلة من المناقشات، صادقت الحكومة مؤخرا على مشروع قانون رقم 46-21 المتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين، الذي يندرج في إطار مواصلة تنزيل ورش الإصلاحات الرامية إلى تحديث وعصرنة منظومة العدالة، ولا سيما فيما يتعلق بإعادة تأهيل المهن القانونية والقضائية وتطوير أدائها، والرفع من جودة خدماتها، وذلك من خلال تشخيص وضعيتها وواقع ممارستها، وتعزيزها بآليات تشريعية تمكن من تحديثها، وتخليقها وتدعيمها لمواكبة التغيرات والتحولات الكبرى التي يعرفها المغرب عموما وفي مجال منظومة العدالة على وجه الخصوص.
ولا شك في أن واضعي المشروع اتجهوا نحو تنزيل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، ولاسيما ما يتعلق منها بتحديث وتحيين النصوص القانونية المنظمة لمهنة المفوضين القضائيين، وتحسين شروط عملهم والارتقاء بوضعية ممارسة مهنتهم، وذلك من خلال إعادة النظر في القانون الحالي المنظم للمهنة.
وينعكس ذلك بالموسيقى في مضامينه وثناياه، بحيث اشتمل على عدد لا يستهان به من المستجدات التي تهدف في جوهرها إلى الارتقاء بمهنة المفوضين القضائيين، وتأهيلها وإعادة تنظيمها، و تحديثها و تخليقها وتحسين شروط وظروف ممارستها، وضمان جودة الخدمات المقدمة إلى المتقاضين والمرتفقين، في تجاوب تام مع مطالب المهنيين، واستحضارا لمختلف المشاكل التي تعترض الممارسة العملية على أرض الواقع والإحاطة بالانشغالات والإستجابة للمطالب، و تنزيلا لما نص عليه ميثاق إصلاح منظومة العدالة في الشق المتعلق بتقوية القدرات المؤسسية للمهن القضائية و القانونية .
وهكذا، فقد تم توسيع صلاحيات المفوض القضائي من الناحية الترابية، و منح اختصاصات جديدة له، ومراجعة شاملة لمسطرة التأديب، إضافة إلى مقتضيات أخرى تهم تنظيم المهنة بشكل محكم، و تعزيز دور الهيئة الوطنية في تنظيم شؤون المهنة و تأطير المنتسبين إليها.
ومن بين الاختصاصات الحديثة المسندة للمفوضين القضائيين: تحصيل الديون الخاصة لحالة الأداء وديا، والقيام بإجراءات عروض الوفاء والإيداع بناء على أمر قضائي، بالإضافة إلى إنجاز محاضر معاينة انعقاد الجموع العامة، وكذا استيفاء المبالغ المحكوم بها أو المستحقة بمقتضى سند تنفيذي، وإن اقتضى الحال البيع القضائي بالمزاد العلني.
كما اشتمل مشروع القانون على مستجدات تهم شروط الولوج إلى المهنة و التكوين الأساسي و المستمر، و تعزيز قيم الشفافية و النزاهة و التخليق، و الصرامة في التعامل مع كل إخلال أخلاقي يمس المهنة و الثقة المفترضة فيها و في المنتسبين إليها.
وبالرغم مما جاء بمشروع القانون المذكور من أمور إيجابية، فإن ذلك لا يمنع إبداء بعض المقترحات التي قد تفيد في بلورة صيغة تشريعية أكثر ملائمة بالنظر لمجموعة من العوامل، وقياسا على ما هو معمول به في التجارب النموذجية الرائدة عالميا وبحكم المقارنة مع المهن القانونية والقضائية الأخرى.
بخصوص شروط الولوج
– من المستحسن إدراج مادة حول إمكانية ممارسة المفوض القضائي إختصاصاته خارج التراب الوطني وفق اتفاقيات ثنائية او متعددة الأطراف، وكذا ممارسة المفوضين القضائيين الأجانب اختصاصاتهم بالمغرب.
– من الضروري التفكير في فتح المجال أمام الكتاب المحلفين للمفوض القضائي لولوج المهنة عبر إدراج شروط معينة لكونهم متمرسين ولهم من الخبرة ما يكفي لممارستها.
بخصوص الحقوق والواجبات المفوض القضائي
· بالنسبة لحقوق المفوض القضائي
اعتبر مشروع القانون أجرة أو أتعاب المفوض القضائي بمثابة صائر قضائي، مما يستدعي ملائمة هذا المستجد مع النصوص التشريعية الحالية، ولاسيما تعديل ظهير 1984 المتعلق بالرسوم القضائية في الميدان المدني والتجاري.
كما أن القول بتحميل خاسر الدعوى الصائر وبما في ذلك أجرة المفوض القضائي واتعابه، لا يستقيم مع ما هو مسطر مسبقا في المواد أعلاه، والتي تنص على أن أجرة المفوض القضائي تستخلص من طالب الإجراء، فكيف يعقل ان يتكبد المطلوب في الإجراء مصاريف إضافية لا يد له فيها.
· بالنسبة لواجبات المفوض القضائي
– إن مسألة إجبار المفوض القضائي على إنجاز ما طلب منه بأمر من رئيس المحكمة قد يطرح معه النقاش حول المساس بطابع الحرية والاستقلالية التي تتمتع بها المهنة.
المواد المتعلقة بمزاولة المهنة
– من المفيد جدا إدراج مادة حول الحالات الاستثنائية التي تتيح إمكانية ممارسة المفوض القضائي إختصاصاته خارج الدائرة التي ينتمي إليها
– فضلا عن ذلك، سيكون محبذا إدراج مادة حول الحالة التي قد يكون فيها المفوض القضائي هو المطلوب في الإجراء وزميل له أي مفوض قضائي آخر سيقوم بالاجراء ضده، بشأن كيفية التعامل معه، هل يستدعي ذلك إخبار أو إذن رئيس المجلس الجهوي ورئيس المحكمة وكذا وكيل الملك عند الاقتضاء….الخ.
المواد المتعلقة بالمنازعة في مستحقات المفوض القضائي والجهة الموكول اليها اختصاص البت فيها
– جعل مسألة تحديد الأتعاب او الأجرة المستحقة للمفوض القضائي في حالة المنازعة فيها من اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية، توجه يبقى محط نظر، ومن المستحسن إسنادها لرئيس المجلس الجهوي التابع له هذا الأخير على غرار ما هو معمول به بالنسبة لمهنة المحاماة التي تخول لنقيب هيئة المحامين البت في منازعات الاتعاب بين المحامي والموكل.
– كما نقترح أن يكون كذلك المقرر الصادر عن رئيس المجلس الجهوي للمفوضين قابلا للطعن أمام غرفة المشورة، تماشيا مع مبدأ التقاضي على درجتين.
المواد المتعلقة بحماية المهنة
أشار مشروع القانون في بعض مقتضياته إلى أن المفوض القضائي يتمتع بنفس الحماية المخولة الموظف العمومي والسلطات العمومية أثناء القيام بمهامه وفقا الفصلين 263 و267 من القانون الجنائي
ولقد نص الفصل 263 من مجموعة القانون الجنائي على أنه :
يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم، من أهان أحدا من رجال القضاء أو من الموظفين العموميين أو من رؤساء أو رجال القوة العامة أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها، بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها أو بكتابة أو رسوم غير علنية وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم “.
والواضح أن النص المذكور أعلاه لم يذكر لفظ المفوض القضائي وبالتالي ينبغي تعديله حتى ينطبق على المهنة.
بخصوص التأديب والمراقبة
جعل السلطة التأديبية في يد المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين التابع له المعني بالأمر مرتكب المخالفة المهنية على غرار بعض المهن القانونية الأخرى كالمحاماة وغيرها، تماشيا مع طابع المهنة اي حرة ومستقلة.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن المفوضين القضائيين يتحملون القسط الأوفر في مسؤولية تخليق المهنة ، و ذلك من خلال إشاعة مبادئ الشفافية والحكامة والنزاهة و الاستقامة و الكرامة و الأمانة، وذلك في إطار مدونة تخليق المهنة.
باختصار، لن تجد الصعوبات والعراقيل القانونية والواقعية طريقها الى الحل بخصوص المهنة التي نحن بصددها، إلا عن طريق فتح جسور التواصل مع كافة الفرقاء المتدخلين وفي مقدمتهم السلطتين التنفيذية والقضائية لوضع خأرطة طريق من أجل تدويب وحل المشاكل العالقة وتدارس جميع المشاكل التي تهم مهنة المفوضين القضائيين على مستوى التشريع في إطار مشروع قانون المسطرة المدنية المرتقب من أجل تحقيق ملائمة النصوص لتجنب احتمالية التخبط أو تعذر تنزيلها مستقبلا.
باحث في الشؤون القانونية
عضو المركز المتوسطي للدراسات القانونية والقضائية
عضو المنتدى الوطني لأطر الإدارة القضائية الباحثين