أثار تقرير الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي منح طنجة تقييما متواضعا ضمن ملف المغرب المشترك مع إسبانيا والبرتغال لاستضافة كأس العالم 2030، موجة من الانتقادات من قبل مستشارين جماعيين وفاعلين من مختلف المجالات في المدينة.
ووصف هؤلاء، التقرير بأنه انعكاس واضح للواقع المتأزم في قطاعات البنية التحتية (النقل، والإقامة..) مطالبين بمراجعة جذرية للسياسات التنموية.
تقرير يعري فشل التدبير المحلي
اعتبر المستشار الجماعي عبد السلام العيدوني تقرير الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) غير مفاجئ، مؤكدا أنه يعكس الواقع المتأزم الذي تعيشه المدينة في مختلف المجالات.
وأوضح أن التقرير كشف عن نقاط ضعف هيكلية تتعلق بالبنية التحتية، والنقل، والإقامة، وهي إشكالات تعكس فشل السياسات العمومية التي لم تحقق تطلعات السكان رغم الميزانيات الضخمة التي تم تخصيصها.
وأضاف العيدوني إلى أن البرامج التأهيلية والتنموية التي أُطلقت في طنجة، بدءا من مشروع التأهيل الحضري ووصولا إلى مشروع “طنجة الكبرى”، لم تؤتِ ثمارها كما كان متوقعا.
وتحدث عن التفاوتات المجالية التي تتمثل في تمركز الخدمات والمرافق في وسط المدينة، وغيابها في الأحياء الهامشية الناقصة التجهيز.
كما أشار إلى تفاقم البناء العشوائي والتجزيء السري، خاصة في مقاطعة بني مكادة، التي تضم نصف سكان المدينة، وأكثر من 80% من أحيائها عشوائية، مما يعكس فشل السياسات المرتبطة بالتعمير.
وفي السياق ذاته، أوضح العيدوني أن قطاع النقل يعاني من غياب تطوير وسائل النقل العمومي بما يواكب النمو الديموغرافي السريع، مشيرا إلى أن تنفيذ مشاريع البنية التحتية لم يعتمد على دراسات متخصصة في النقل والتنقل.
كما اعتبر تدبير قطاعات النظافة والإنارة العمومية ضعيفا وغير ناجع، مضيفا أن القطاع الصحي يمثل نقطة سوداء أخرى في ملف المدينة.
وفيما يخص السياحة، أكد العيدوني أن طنجة تمتلك إمكانيات كبيرة، لكنها لم تُستغل بالشكل الكافي، مما أثر سلبا على قطاع الفندقة والخدمات المرتبطة به، كما انتقد ضعف أداء المرافق الإدارية والخدمات المقدمة من طرفها.
وشدد العيدوني على أهمية تحديد المسؤوليات ومحاسبة المتسببين في هذا الوضع، مؤكدا أن الإشكال لا يكمن في البرامج أو الميزانيات، بل في الكفاءات البشرية المسؤولة عن تنفيذها.
وختم بالقول إنه لا يمكن لمن ساهم في سوء التدبير خلال السنوات الماضية أن يكون جزءا من الحل أو قادرا على تحقيق التنمية المنشودة للمدينة.
سياسة الواجهة أضرّت بطنجة
اعتبر المستشار الجماعي بلال أكوح إلى أن هذا التنقيط كان صادما للبعض، ولكنه كان متوقعا بالنظر إلى الواقع التنموي للمدينة.
وأكد أكوح أن طنجة، رغم إمكاناتها الكبيرة، خسرت العديد من الفرص بسبب التركيز المفرط على سياسة “الواجهة” دون النظر إلى البنية التحتية والتنمية المستدامة.
وأوضح أن قطاع السير والجولان يعد من أبرز النقاط السوداء، حيث لا تتناسب البنية التحتية مع توسع المدينة، مما يؤدي إلى فوضى في بعض قطاعات النقل، مثل نقل المستخدمين. وأكد أن اللجان التقنية للفيفا تعتمد على واقع الحال وليس على المشاريع المستقبلية.
وأشار أكوح إلى قطاع المراحيض العمومية الذي يؤثر سلبا على صورة المدينة، مشددا على أن المبادرات المتواضعة لا تكفي لتحسين الوضع، خاصة في ظل الخلل الذي شهدته مدينة طنجة في ملف تنظيم EXPO 2012، كما نوه إلى تقادم شبكة الإنارة العمومية في العديد من أحياء المدينة، وضعفها في أحياء أخرى.
وفيما يخص السياحة، أكد أكوح أن طنجة لا تزال تعاني من ضعف في بنية الاستقبال السياحي، حيث لا يتماشى العرض مع الطلب خاصة في ذروة مواسم الاصطياف، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر.
وأوضح أيضا أن توسيع مطار طنجة كان يجب أن يتم منذ سنوات، بالنظر إلى المتغيرات الاقتصادية في المدينة.
وأكد أكوح على ضرورة تحسين المحاور الطرقية التي تربط طنجة بباقي مدن الجهة، خاصة بعد ارتفاع عدد اليد العاملة الوافدة من المناطق المجاورة، مشيرا إلى أن هذه المسائل لم تعالج إلا بعد منح تنظيم المونديال للمغرب.
مراجعة دفتر التحملات في رخص البناء يجب فرض مرآب لتخفيف السير والجولان
كوارث البناء العشوائي
من جانبه، أعاد المستشار الجماعي حسن بلخيضر تسليط الضوء على التوسع العمراني الذي طال المناطق المحيطة بملعب ابن بطوطة.
وأكد بلخيضر أن مناطق مثل بوخالف والزياتن وأشقار، التي كانت إلى حدود عام 2003 مخصصة لأنشطة اقتصادية وترفيهية ومحظورة على البناء، تم فتحها للتعمير بشكل مكثف، مما تسبب في إشكالات بنيوية أبرزها الازدحام المروري في طريق الرباط.
وأشار إلى أن هذه المناطق شهدت تحولا غير مدروس، حيث أصبحت مواقع مكتظة بالسكان ومرافق تجارية، بما في ذلك المقاهي المفتوحة مباشرة على الطرق الرئيسية.
وأضاف بلخيضر أن هذا الوضع لم يقتصر على عرقلة حركة السير، بل يعكس سياسات عمرانية تخدم مصالح المنعشين العقاريين على حساب تنمية المدينة بشكل متوازن.
وأكد المستشار الجماعي أن هذا الواقع يتطلب إعادة النظر في التخطيط الحضري للمنطقة ووضع استراتيجيات طويلة المدى تضمن التوازن بين التطور العمراني والحفاظ على البنية التحتية للمدينة، كما دعا إلى فتح نقاش جاد حول المسؤوليات المرتبطة بهذه التجاوزات العمرانية، مشددا على أن ما خفي قد يكون أعظم.
تقييم الفيفا يكشف استمرار أزمات البنية التحتية
أكد الكاتب الطنجاوي والفاعل في مجال السياحة يوسف شبعة أن التنقيط الذي حصلت عليه مدينة طنجة في تقييم الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لاستضافة كأس العالم 2030 كان متوقعا، مشيرا إلى أن المدينة لا تزال تعاني من مشكلات هيكلية في بنيتها التحتية، رغم الجهود المبذولة في إطار مشروع “طنجة الكبرى”.
وأوضح شبعة أن التوسعات التي شهدتها المدينة من إنشاء طرق ومدارات جديدة لم تحل مشكلة السير والجولان، حيث تستمر الشوارع الرئيسية في الاكتظاظ، خاصة في ساعات الذروة وعطلة نهاية الأسبوع، مما يجعل المدينة غير قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من السكان والزوار.
وأضاف أن النمو العشوائي والمشوه لطنجة يتطلب إعادة النظر في التخطيط الحضري، لا سيما في ظل توقعات بتزايد عدد السكان مستقبلا.
وحذر شبعة من أن حصول طنجة على تنقيط 2.5 من 5 يعد ناقوس خطر يستوجب التحرك لتدارك الوضع، مشددا على أن المجالس المنتخبة لم تقدم أي حلول جذرية تُذكر، بل ركزت على صراعات سياسية وشكلية على حساب تحسين الخدمات.
كما أشار إلى تراجع المدينة على مختلف المستويات، بما في ذلك فقدان بريق المدينة القديمة، رغم النجاحات التي حققها ميناء طنجة المدينة في جذب عدد غير مسبوق من البواخر السياحية.
وفيما يتعلق بالنقل العمومي، دعا شبعة إلى تعزيز أسطول الحافلات وفتح المجال أمام شركات جديدة لتحسين الخدمات عبر التنافسية.
وأضاف أن تقرير الفيفا لم يأخذ في الاعتبار عوامل أخرى، مثل جمالية المدينة وانخفاض معدلات الجريمة، حيث اعتبر أن طنجة كانت ستتصدر التقييمات في هذين الجانبين.
واختتم شبعة حديثه بالإشارة إلى تجربة طنجة مع تنظيم “إكسبو 2012″، التي اعتبرها أكثر سوداوية مقارنة مع تقرير الفيفا، مشيرا إلى أن غياب مرافق أساسية مثل المراحيض كان سببا رئيسيا في فقدان المدينة لشرف تنظيم الحدث، وهو ما تزال شواهده ماثلة عند مدخل “باب السمارين”.
طنجة “هَرَبَتْ على مُنتخبِيها”
اعتبر محمد سعيد أهروش، نائب رئيس غرفة التجارة بشمال المغرب، أن تقرير الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) حول مدينة طنجة كان متوقعا، مشيرا إلى أن المدينة “هربت على منتخبيها” بسبب التحديات التي تواجهها في عدة مجالات.
وأضاف أن التقرير لم يكن مفاجئا في ظل واقع المدينة الذي يعكس توسعا ديموغرافيا سريعا، وهو ما يضع ضغطا كبيرا على بنيتها التحتية، خاصة في قطاع النقل الحضري.
وأوضح أهروش أن طنجة تشهد توسعا عمرانيا بوتيرة أسرع من العديد من المدن الأخرى، وهو ما يتطلب التفكير في حلول جديدة لتسهيل حركة السير والجولان. كما أشار إلى وجود خلل في تخطيط النقل الحضري، مما يتسبب في ازدحام مروري مستمر في المدينة.
من جهة أخرى، لفت أهروش إلى أن هناك خصاصا كبيرا في الموارد البشرية في بعض القطاعات، مما يؤثر سلبا على جودة الخدمات.
وفيما يخص قطاع الفندقة، كشف عن مساعي غرفة التجارة لتنظيم مناظرة جهوية في الأشهر المقبلة بهدف تطوير هذا القطاع الحيوي، مؤكدا أن عددا من المستثمرين أبدوا رغبتهم في الاستثمار في الفنادق، مشيرا إلى أن هذه المشاريع قد تحتاج إلى عام أو عامين لتحقيق نتائج ملموسة.
وشدد أهروش على ضرورة إحداث نقلة نوعية في مختلف القطاعات لضمان مستقبل المدينة وتحقيق التنمية المستدامة التي تلبي احتياجات سكانها وزوارها.