أيوب الخياطي
ليس غريبا أن تتحول السياسة أحيانا إلى مسرح عبثي، لكن أن تُدار شؤون أكبر مقاطعة في طنجة، بني مكادة، بروح تؤمن بالخرافة وتلجأ إلى الشعوذة بدل الحكامة، فهذا يجسد مأساة من نوع آخر!
أمس، انتشر مقطع فيديو يوثق اكتشاف طلاسم وسحر يحمل صور منتخبين بمقاطعة بني مكادة، لكن رد مستشار جماعي ونائب رئيس المقاطعة المذكورة في فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي كان غريبا، حيث عّلق: “بحال اللي قال الرئيس (الحمامي) هذا شي واحد باغي يترشنا مرة.. باغي صداع فوسطنا” وكأن لسان حاله يُقر أن الشعوذة ليست مجرد ظاهرة دخيلة، بل أداة ضمن أدوات صراع سياسي يُفاقم أزمات المقاطعة.
ولكن بعيدا عن مشاهد الطلاسم وجرار السحر، يبقى الواقع في بني مكادة أكثر تعقيدا. هذه المقاطعة، التي تضم أكثر من نصف مليون نسمة، تعيش أزمات خانقة تُغرقها في دائرة الفقر والتهميش.
طرقاتها المتهالكة وأحياؤها المكتظة شاهدة على غياب إرادة الإصلاح.. والنفايات المتراكمة فيها أصبحت أزمة مستعصية، رغم ارتفاع ميزانية تدبيرها بنسبة 70%، من 170 مليون درهم إلى 298 مليون درهم. هذه الزيادة، التي أُشير إليها في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، لم تنعكس على أرض الواقع، حيث الخدمات لا تزال دون المستوى.
أضف إلى ذلك أن 17.60% من سكان بني مكادة أميّون، بحسب آخر إحصاء، ومساحاتها الخضراء تحولت إلى صناديق إسمنتية حرمت السكان من متنفس طبيعي.
هذا الواقع لا يُدار بالتخطيط ولا بالسياسة الحكيمة، بل بما يبدو أنه خليط من العشوائية والاستغلال.
بني مكادة لا تحتاج إلى منتخبين يرون في المقاطعة فرصة “للبريكول” ووسيلة للاغتناء، ولا إلى مسؤولين يُقدّمون ولاءهم لطقوس الظلام بدل المواطن.
ما تحتاجه هو رجال ونساء يؤمنون بالإصلاح الحقيقي، يعملون بجدية على تحسين البنية التحتية، وحل مشاكل النظافة والخدمات الأساسية، وإعادة الاعتبار لكرامة الساكنة.
إن المشهد السياسي في بني مكادة بحاجة إلى ثورة قيم تُعيد ترتيب الأولويات، وتجعل المواطن في صلب الاهتمام.. وما بين كهنة السياسة وسحرتها، يبقى الأمل معلقا على الشرفاء من أبناء هذه المقاطعة، الذين يؤمنون بأن الإصلاح ليس طقسا أو شعارا، بل عملا مخلصا يصنع الفرق.
بني مكادة لا تحتاج إلى شعوذة، بل إلى عقلانية وعدالة تُنقذها من هذا الواقع البائس، وتجعلها نموذجا حقيقيا للتنمية التي تترك أثرها في حياة المواطن، لا في جيب المنتخب!