بقلم// حسن الحداد أبو ياسر
تعيش ساكنة مجموعة من الأحياء بمدينة طنجة مأساة إنسانية بسبب قرار الوالي السابق الذي يمنع المواطنين من تزويدهم بالماء والكهرباء (قرار منع تسليم الشهادة الإدارية)، الأمر الذي أثار موجة استياء واسعة بين المواطنين وجمعيات المجتمع المدني. يأتي هذا القرار في وقت تُعد فيه المادتان الأساسيتان، الماء والكهرباء، من ضروريات الحياة اليومية ومن حقوق الإنسان الأساسية التي تضمن له العيش الكريم.
انتهاك صارخ للحق في العيش الكريم
يُعتبر الحصول على الماء والكهرباء حقاً مشروعاً لكل مواطن، وفقاً لما نصت عليه المواثيق الدولية، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
حرمان الأسر من هذه الخدمات الحيوية لا يؤدي فقط إلى معاناة يومية، بل يُعد شكلاً من أشكال التهميش والإقصاء الاجتماعي الذي يتعارض مع مبادئ العدل والمساواة. كما يمكن اعتبار هذا القرار غير دستوري، بحكم مخالفته الصريحة للدستور المغربي ( 2011 )، الذي ينص على مجموعة من الحقوق والحريات التي تضمن الكرامة والعيش الكريم لجميع المواطنين.
ينص الفصل 31 من الدستور على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنين، على قدم المساواة، من الحقوق الأساسية مثل الحق في التعليم، والحق في الشغل والدعم من أجل الحصول عليه، الحق في الصحة، الحق في الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، ثم الحق في السكن اللائق، بالإضافة إلى الحق في تنمية مستدامة و العيش في بيئة سليمة .
النص الدستوري يعكس الالتزام القانوني للمغرب بضمان العيش الكريم لجميع الأفراد، مع مراعاة العدالة الاجتماعية والمساواة إن روح الدستور و فلسفته العميقة تؤكد أن ما اتخد من قرارت من السلطة الوصية ممثلة في شخص السيد الوالي تعاكس الدستور و التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الذي اعطى عناية فائة لطنجة
أبعاد القرار وانعكاساته
يثير القرار عدة تساؤلات حول أسبابه ومبرراته. وإذا كانت الجهات المسؤولة تتذرع بعدم قانونية بعض البنايات أو عدم استيفاء الشروط الإدارية أو الاستغلال الانتخابي والسياسي للشهادات الإدارية، فإن ذلك، حتى وإن كان صحيحاً، لا يبرر منع المواطنين من حقهم في الاستفادة من الماء والكهرباء.
لأن الإشكال أعمق مما تتصور السلطات، خاصة في ظل غياب حلول بديلة تُراعي وضعيات الساكنة الإنسانية والاجتماعية. انعكاسات هذا القرار خطيرة للغاية، حيث يزيد من معاناة الأسر الفقيرة التي تعيش في الأحياء المهمشة المتواجدة بالمقاطعات الأربع. غياب الماء والكهرباء يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية و التعليمية، ارتفاع مع
دلات الفقر والبطالة، تدهور الظروف المعيشية بشكل عام.
هل يعقل أن تظل مناطق سكنية بدون ماء ولا كهرباء في ظل الحديث عن “طنجة الكبرى” التي يُنظر إليها كقاطرة للسياحة الداخلية والخارجية والاستثمارات؟ كما يُساءل هذا القرار السلطات الوصية عن نتائج ومردودية مشروع “طنجة الكبرى”، خصوصاً الشق المتعلق بفك العزلة عن مجموعة من المناطق بالمدينة.
رُصدت لهذا المشروع مبالغ مالية بالمليارات بغية إحداث نقلة نوعية في البنيات التحتية المحلية، وخصوصاً بالمناطق التي تعرف هشاشة، وعلى رأسها المناطق المضافة للمجال الحضري.
الحاجة إلى حلول عاجلة
بدلاً من إصدار قرارات غير مدروسة العواقب، والتي تظهر إجحافها بحق الساكنة، كان من الأجدر بالسلطات المحلية، ممثلة في شخص الوالي، العمل على إيجاد حلول عملية ومبتكرة تُراعي مصلحة المواطنين وحقوقهم الأساسية، بدلاً من الدخول في صراعات ضيقة مع المؤسسات المنتخبة دون مراعاة حقوق الساكنة.
معظم الأحياء الهامشية التي تعاني من هذا القرار شُيدت على مرأى ومسمع من بعض رجال السلطات المحلية، وسبق اتخاذ قرارات تأديبية في حق بعضهم.
1. تقنين الوضعيات غير القانونية
بدلاً من المنع، يمكن تنظيم حملات لتسوية الوضعيات الإدارية للمباني غير المهيكلة، وذلك عبر تبسيط المساطر، وإبداع حلول منطقية سلسة قابلة للتنفيذ، من اجل ضمان حقوق السكان الأساسية في انتظار تسوية نهائية للبناء غير المهيكل.
نداء إلى المسؤولين
نوجه نداءً مستعجلاً إلى والي جهة طنجة-تطوان وكل الجهات المعنية لإعادة النظر في هذا القرار المجحف. المسؤولية تقتضي الإنصات لمعاناة المواطنين وتقديم حلول تعزز كرامتهم وتحترم حقوقهم الأساسية.
كما ندعو المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني إلى التحرك العاجل للضغط من أجل التراجع عن هذا القرار وضمان حقوق الساكنة.
توفير الماء والكهرباء ليس امتيازاً تمنحه السلطات، بل حق أصيل يكفله الدستور المغربي والمواثيق الدولية. أي مساس به يُعد انتهاكاً لكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.