أيوب الساكوتي// باحث في العلوم الإدارية للتنمية
يشهد المغرب تحوّلا كبيرا في تدبير المرافق العمومية، مع إعلان نهاية عقود التدبير المفوض المتعلقة بقطاعات حيوية كالماء والكهرباء وتطهير السائل.
وقد أتى هذا التحول استجابة لتحديات متراكمة كشفت محدودية عقود التدبير المفوض التي لم تستطع في كثير من الأحيان تلبية تطلعات المواطنين وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
في هذا الإطار، تم اعتماد الشركات الجهوية متعددة الخدمات كبديل جديد، بناء على مقتضيات القانون 83.21 والمراسيم التطبيقية المرتبطة به.
إن هذا التحول، الذي يُعتبر جزءا من استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز الحكامة وتحقيق التنمية الجهوية، يثير عددا من الإشكاليات والتحديات التي تتطلب دراسة معمقة لفهم الإطار القانوني المنظم لهذه الشركات وأبعادها العملية، لا سيما في ظل تطلعات المواطن المغربي إلى تحسين جودة الخدمات العمومية وضمان استمراريتها.
الإشكالية:
يتفرع عن هذا التحول إشكالية مركزية: “إلى أي حد ستساهم الشركات الجهوية متعددة الخدمات في تجويد الخدمات العمومية وضمان استدامتها، مع مراعاة الإكراهات العملية والقانونية التي تواجه تنزيل هذا النموذج الجديد؟”
الفرضيات:
لأجل الإجابة عن هذه الإشكالية، يتم الانطلاق من الفرضيات التالية:
الشركات الجهوية متعددة الخدمات تقدم بديلا أكثر نجاعة مقارنة بعقود التدبير المفوض.
نجاح هذا النموذج مرتبط بمدى قدرته على تجاوز الإكراهات المرتبطة بالإطار القانوني والتنظيمي.
التفاعل بين الفاعلين المحليين (مؤسسات ومواطنين) يلعب دوراً حاسماً في نجاح المشروع.
هوية متعددة الخدمات.
المبحث الأول: الإطار القانوني للشركات الجهوية متعددة الخدمات
1. السياق العام لتطور تدبير المرافق العمومية
شهد المغرب عقودا من الاعتماد على نموذج التدبير المفوض لتسيير المرافق العمومية، وهو النموذج الذي أبان عن بعض أوجه القصور في تقديم خدمات ذات جودة عالية، مما دفع إلى تبني مقاربة جديدة تتمثل في الشركات الجهوية متعددة الخدمات، كجزء من رؤية استراتيجية وطنية.
2. مقتضيات القانون 83.21
ينظم القانون 83.21 عمل الشركات الجهوية متعددة الخدمات، وقد صدر بموجب الظهير الشريف رقم 1.23.53 بتاريخ 12 يوليو 2023. ويهدف إلى تحقيق:
تحسين جودة الخدمات العمومية.
تعزيز اللامركزية والحكامة الجيدة.
ضمان استدامة المرافق الحيوية.
كما صدرت مجموعة من المراسيم التطبيقية لتفعيل القانون، من بينها:
المرسوم رقم 2.23.1033 المتعلق بتحديد معايير عمل الشركات.
المرسوم رقم 2.23.1034 بإحداث 12 شركة جهوية متعددة الخدمات.
المرسوم رقم 2.23.1035 المتعلق بضوابط التدبير الإداري.
المبحث الثاني: تحديات تنزيل الشركات الجهوية متعددة الخدمات
1. الإكراهات القانونية والتنظيمية
رغم وضوح القانون 83.21، تواجه عملية التنزيل عدة تحديات قانونية، أبرزها:
التأقلم مع الإطار التشريعي الجديد.
غياب آليات رقابة فعالة تضمن جودة الخدمات وشفافية العمليات.
2. التحديات الاجتماعية والإدارية
من أبرز التحديات:
استقرار المستخدمين: يتطلب الانتقال إلى الشركات الجهوية ضمان حقوق العاملين في القطاع، تفادياً لأي توتر اجتماعي.
جودة الخدمات: أثارت الدراسات الميدانية مخاوف المواطنين من تراجع جودة الخدمات، خاصة في ظل التخوف من التعقيدات الإدارية.
تفاوت التسعيرات: عبّر أكثر من 51% من المستطلعين عن كون التسعيرات في ظل التدبير المفوض مرتفعة جداً، مما يضع ضغطاً على الشركات الجديدة لضمان خدمات بأسعار تنافسية.
3. نتائج الاستبيان الميداني
كشفت الاستبيانات التي أجريت في جهة طنجة-تطوان-الحسيمة مجموعة من النتائج المهمة:
77.1% من المواطنين المستجوبين أكدوا أن شركة “أمانديس” كانت الفاعل الرئيسي في تدبير المرافق.
42.9% قيّموا جودة الخدمات بالمتوسطة، بينما وصفها 31.4% بالرديئة.
40% من المشاركين لم يكونوا على دراية بالتوجه الجديد لاعتماد الشركات الجهوية.
خاتمة
يشكل اعتماد الشركات الجهوية متعددة الخدمات خطوة طموحة في مسار تحديث تدبير المرافق العمومية بالمغرب. ورغم التحديات والإكراهات التي تواجه هذا التحول، يبقى النجاح مرهوناً بمدى قدرة هذه الشركات على تطبيق رؤية قانونية فعالة ومتكاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار حاجيات المواطنين وضمان استمرارية الخدمات بجودة عالية.