أيوب الخياطي
في زمن تُقاس فيه القيم بمدى احترام الخصوصية وصون الحقوق، ينبثق من أزقتنا وأحيائنا وجهٌ آخر من الممارسات، وجه يكاد يصرخ قائلا: نحن شعب يحب التبركيك إذا ما استطعنا إليه سبيلا!
هذه الظاهرة التي تُجرد الإنسان من قيمته الأخلاقية، وتحوله إلى عين تتلصص وتُبَلّغ، لا بدافع العدالة أو الصالح العام، بل طمعا في مكاسب رخيصة أو ابتزاز مُبتذل.
ما أخطر أن يتحول الفضول من نزوة عابرة إلى عادة تنهش نسيج المجتمع وتُشوه قيمه.
هؤلاء الأشخاص الذين يجوبون الأزقة وكأنهم رجال سلطة بلا شارة، لا يحملون صفة رسمية، ولا يمثلون جمعيات المجتمع المدني التي تسعى لخدمة الناس، بل تحركهم شهوة التدخل فيما لا يعنيهم، ونزعة خفية للابتزاز.
عدسات هواتفهم، تلك الأسلحة الصامتة، لا تهدأ وهي تترصد الأخطاء والهفوات، لتُحوّلها إلى مادة للتفاوض والابتزاز بدل الإصلاح أو التقويم.
وليس بعيد عن هذا السياق، ظهرت مؤخرا حالات تُجسد هذا الواقع المرير.
ففي أحد الأحياء بطنجة، أطل “عون سلطة سابق” لا يزال أسير هوسه بسلطة مضت وانقضت، ليجسد مشهدا عبثيا من مشاهد الاستبداد الشخصي, مستغلا بقايا نفوذه الوهمي.. توجه نحو أحد أعوان السلطة برتبة “شيخ”، متقمصا دور الوصي على القانون، مدعيا أنه رصد مخالفة بناء.
لكن الحقيقة لم تكن إلا ستارا يخفي نواياه الدنيئة، إذ حاول ابتزازه بعبارات تخلو من أي وازع أخلاقي أو احترام للقانون، ملوحا بفضح أمره إن لم يدفع “الإتاوة” التي طالب بها.
مشهد يعكس كيف يمكن للسلطة، حين تُفقد، أن تتحول إلى ظل قاتم يطارد صاحبه، محاولا إحياء نفوذه المندثر بأي وسيلة!!
وفي حادثة أخرى بجماعة العوامة، تفنن شخص لا يحمل أي صفة رسمية، لا هو عون سلطة ولا متصرف في الداخلية، في اقتحام خصوصيات الجيران، حيث وصل به الأمر إلى التقاط صور منزل بدعوى “محاربة المنكر”.. لكن حيرانه لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فتصدوا له وكشفوا أمره، ليجد نفسه معرَّى أمام الجميع.
أي مجتمع هذا الذي تُصبح فيه الخصوصيات مستباحة، والأحياء مسارح لمسرحيات رديئة يكتبها رجال الظل ويتصدرون مشاهدها بهواتفهم التي لا تكف عن التجسس؟
إن حب التبركيك ليس مجرد عادة سيئة، بل هو مرض اجتماعي يتفشى بيننا، ينخر القيم، ويخلق عالما موازيا من الشك والتربص، فحين يتحول الإنسان إلى عين خائنة تُراقب وتُساوم، ليصبح كل جار عدو محتمل.
وفي الختام أقول: “المجتمع الذي يسمح بازدهار التبركيك هو مجتمع يُغرق نفسه في فوضى أخلاقية واجتماعية لا نجاة منها.. وهذا ماكان