أيوب الخياطي
عندما نزلت الأمطار في طنجة، لم تكتف بإغراق الشوارع، بل جرفت معها كل الوعود التي بشّرت بطنجة حديثة، قوية، مقاومة لموجات الفيضانات المتكررة.
ومع ذلك، فإن العمدة خلال دورة فبراير العادية، لم يرَ في المشهد سوى أكياس الباعة المتجولين وصناديق الخضر، وكأنها وحدها تسببت في انسداد البالوعات، بينما بقيت البنية التحتية المتهالكة و”الصفقات الغامضة” في مأمن من أي مساءلة.
لقد حاول العمدة أن يطمئننا، مؤكدا أن المدينة لم تشهد خسائر في الأرواح أو انهيار المنازل والمحلات، وكأن الفيضانات يجب أن تتحول إلى كوارث إنسانية حتى تستحق انتباهه.
أما عن الطرقات التي تحولت إلى بحيرات، والحفر التي ازدادت عمقا بفعل السيول، فلا تعليق!!!
لكن ما يثير الدهشة أكثر هو مقارنة طنجة بمدينة فالينسيا الإسبانية.
ويبدو أن العمدة وجد في هذا التشبيه ملاذا آمنا، متناسيا أن في فالينسيا توجد قنوات صرف صحي لا تُسد بصناديق الطماطم، وشركات تدبير مفوض تخضع للمحاسبة، وميزانيات تصرف في مكانها الصحيح، لا تتبخر كما تتبخر الملايير في صفقات لم يرَ المواطن أثرها إلا على الورق.
أما مشاريع أسواق القرب، التي كانت حلا سحريا لإنهاء ظاهرة “الفراشة”، فقد انكشف فشلها.. الملايير صُرفت، والأسواق بُنيت، ومع ذلك، لا يزال الفراشة يحتلون الملك العام، ما دفع العمدة إلى تحميل المسؤولية للسلطات المحلية التي لم تحرر الشوارع ولو بشكل غير مباشر.
لكن السؤال البديهي: أين كانت الجماعة طيلة هذه السنوات؟ وهل كان دورها يقتصر على منح التراخيص وعقد الصفقات دون متابعة التنفيذ؟
ولأن العمدة لا يحبذ الحديث عن التفاصيل المزعجة، فقد نسي أن يخبرنا أين وصلت صفقة إصلاح الحفر التي تزيد من مأساوية المشهد مع كل زخة مطر.
نسي أن يذكر لنا ما الذي أصلحته الشركة الفائزة بطلب العروض رقم 2024/CT/12 بقيمة 8.4 مليون درهم، وهل تبخر هذا المبلغ بدوره مع أول قطرة مطر؟
نسي أيضا الحديث عن الأحياء المنسية مثل حي الشريعة، الذي تحوّل إلى جزيرة معزولة وسط طنجة الاستثمارات.
نسي أن يخبرنا كيف ستتحمل المدينة تحديات كأس إفريقيا والمونديال بطرقات تغرق بعد دقائق من المطر، وصرف صحي يحتاج إلى “طقوس استسقاء” كل شتاء حتى يصمد قليلا.
لكن العمدة لم ينسَ أن يحلم، ويحلم كثيرا… فهو يتمنى لو كان له مستشارون مثل مستشاري جماعة أصيلة، الذين رفع أحدهم أكف الدعاء قائلا بصوت مرتجف: “الله نقص من عمري ويزيد في عمر سيدي بنعيسى!”.
وربما كان العمدة ينتظر مستشارا يردد أمامه: “الله نقص من ميزانية المشاريع الفاشلة وزد في عمر الحفر والبنية التحتية المتهالكة!”
ويبدو أن صمت العمدة عن القضايا الحقيقية أكثر بلاغة من كل تصريحاته، فبينما تغرق طنجة في الأوحال، يواصل مسؤولوها العوم في بحر التبريرات وهذا ماكان…