احتضن بيت الصحافة بطنجة، اليوم الأربعاء، ورشة جديدة ضمن سلسلة ورشات “الحق في المعلومة”، التي تنظمها المؤسسة بشراكة مع المركز المتوسطي للدراسات والأبحاث القانونية والاجتماعية.
وخصصت هذه الجلسة لموضوع “الحقوق والحريات على ضوء الدستور المغربي”، حيث أطرها الدكتور نور الدين أشحشاح، الأستاذ الباحث بكلية الحقوق بطنجة، الذي قدّم قراءة تحليلية لمسار حقوق الإنسان في الدساتير المغربية، ومدى تطورها عبر مختلف المحطات الدستورية، وقام بتسييرها رئيس المركز المتوسطي الدكتور خالد بنتركي أستاذ باحث بكلية الحقوق بطنجة.
وخلال مداخلته، أكد أشحشاح أن حقوق الإنسان انشغال مشترك بين مختلف المؤسسات، سواء الرسمية أو غير الرسمية، مشيرا إلى أن القضاء المغربي، بشقيه العادي والإداري، يلعب دورا مهما في حماية هذه الحقوق، حيث تم نقض العديد من الأحكام بسبب الإخلال بمبادئ العدالة وضمان الحقوق الأساسية.
كما أوضح أن الدستور لا يمكن أن يكون دستورا حديثا دون أن يتضمن نصوصا تكرّس حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن الوثائق الدستورية الأولى، مثل الدستور الأمريكي و”إعلان حقوق الإنسان والمواطن” الفرنسي، جاءت كرد فعل ضد الظلم والاستبداد، وتمثل محطات تأسيسية في تاريخ التشريعات الحقوقية.
أما بخصوص المغرب، فقد أشار المتحدث إلى أن الدساتير الثلاثة الأولى (1962، 1970، 1972) اتسمت بتردد واضح في ترسيخ حقوق الإنسان، حيث اقتصرت على الحد الأدنى من الحقوق المدنية والسياسية، مثل حق المساواة والتصويت والترشح، فيما لم تشمل آليات فعالة لحماية هذه الحقوق، حيث غابت المراقبة الدستورية عن القوانين العادية التي تمس الحياة اليومية للمواطنين، مثل القانون الجنائي والمدني.
وفي المقابل، شكلت المرحلة الممتدة من 1992 إلى 2011 تحولا تدريجيا نحو تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، حيث بدأت الدساتير المغربية تتبنى لغة حقوقية أكثر وضوحا.
ومع دستور 2011، الذي جاء في سياق الربيع العربي، تم توسيع دائرة الحقوق الدستورية لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إلى جانب الحقوق التقليدية.
كما تم تعزيز آليات الرقابة الدستورية، بحيث أصبح من الممكن الطعن في القوانين العادية أمام المحكمة الدستورية إذا تعارضت مع مبادئ حقوق الإنسان، وهو تطور هام مقارنة بالمراحل السابقة، حيث كانت المراقبة مقتصرة على قوانين ذات طبيعة سياسية.
وإلى جانب الترسانة القانونية، أشار أشحشاح إلى أن المغرب تبنى عدة مؤسسات للحكامة الحقوقية، من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، إلى جانب الهيئات المختصة بمحاربة الفساد، مثل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
كما تم تعزيز الرقابة الدستورية عبر إنشاء المحكمة الدستورية، وإدخال آلية جديدة تتمثل في “الدفع بعدم دستورية القوانين”، ما يسمح للمواطنين بالطعن في القوانين التي قد تنتهك حقوقهم.
واختتمت الورشة بنقاش مفتوح حول التحديات التي لا تزال تواجه تفعيل هذه الحقوق، ومدى قدرة المؤسسات الدستورية على ضمان التطبيق الفعلي للمقتضيات القانونية، خاصة في ظل استمرار بعض الإشكالات المرتبطة بالحريات الفردية، والحق في الوصول إلى العدالة، وتعزيز دور القضاء في حماية حقوق المواطنين.