لم يكن تجار سوق القرب ببني مكادة يعلمون أن محلاتهم ستتحول إلى رماد مع اقتراب شهر رمضان الكريم.
في الساعات الأولى من صباح يوم السبت، اندلعت ألسنة اللهب داخل السوق، مخلّفة مشهدا أشبه بساحة حرب، حيث احترقت السلع والتهمت النيران الهياكل الحديدية، بينما وقف التجار يشاهدون بأعين دامعة تعب سنواتهم يتحول إلى رماد.
السوق الذي التهم نفسه
مصادر ميدانية أكدت لطنجاوة أن الحريق نشب في إحدى زوايا السوق قبل أن يتمدد بسرعة غير متوقعة، مستفيدا من العشوائية التي طبعته منذ إنشائه.
ولم يكن السوق بحاجة إلى نار ليحترق، كان أشبه بقنبلة موقوتة، يقول أحد التجار المنكوبين، مشيرا إلى أن سرقة الكهرباء والتوصيلات العشوائية جعلت وقوع كارثة مثل هذه، مسألة وقت فقط!
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، وجد التجار أنفسهم أمام نكبة أخرى؛ فالسوق الذي كان يفترض أن يكون ملاذا آمنا لأصحاب الأنشطة غير المهيكلة، تحول إلى مساحة يتلاعب بها البعض، حيث تفيد معطيات حصلت عليها طنجاوة بأن عددا من المستفيدين يمتلكون أكثر من محل، رغم أن الهدف من هذه الأسواق كان دمج “الفراشة” في الاقتصاد المنظم، لا تمليك المحلات لمن يملك أصلا مشاريع تجارية قائمة.
سرقة الكهرباء.. السبب الذي كان الجميع يعرفه
وسط فوضى التصريحات والتأويلات، خرجت مصادر مسؤولة لتؤكد لطنجاوة أن السبب الرئيسي للحريق هو سرقة الكهرباء والاستخدام العشوائي للتيار الكهربائي.
المحلات كانت تستهلك الكهرباء بطريقة غير قانونية، الكل يعرف ذلك، ولكن لا أحد تدخل”، تقول المصادر ذاتها.
واضافت أن التوصيلات العشوائية والمعدات الكهربائية غير المطابقة للمعايير حولت السوق إلى فخ حارق ينتظر لحظة الاشتعال.
لكن هذا التفسير لم يكن كافيا لإخماد الاتهامات، فعدد من التجار لم يترددوا في الجزم بأن الحريق كان متعمدا، رغم عدم تقديمهم أدلة ملموسة على ذلك.
وبغض النظر عن هذه الادعاءات، فإن النتيجة واحدة: السوق تحول إلى رماد، والسلطات بدأت تحركاتها لامتصاص غضب المتضررين.
السوق بلا مسؤول.. والكل يتبرأ
الغريب في الأمر، أن السوق لا يبدو أن له مسؤولا واضحا، أو على الأقل لا أحد يريد تحمل المسؤولية.
رئيس مقاطعة مغوغة عبد العزيز بنعزوز، الذي يقع السوق داخل نفوذ مقاطعته، صرح لطنجاوة بأن السوق “ليس تابعا للمقاطعة” ولم يتم تسليمه لها من طرف السلطة، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الجهة التي يقع على عاتقها الإشراف على هذه المشاريع وضمان توفرها على شروط السلامة.
في المقابل، تشير مصادر مسؤولة، إلى أن مشاريع أسواق القرب تدخل ضمن جهود السلطات لمحاربة الفوضى واحتلال الملك العمومي كما أن المراقبة لا تقع ضمن اختصاص السلطات.
لكن الفوضى نفسها يبدو أنها انتقلت من الشوارع إلى داخل هذه الأسواق، مع ما رافق ذلك من اختلالات في توزيع المحلات وضعف في المراقبة، ما جعل السوق في النهاية يحترق بنفسه.
تحقيقات في الطريق.. ولكن بعد ماذا؟
الى ذلك باشرت المصالح الأمنية والسلطات المحلية تحقيقاتها لمعرفة الأسباب الحقيقية للحريق وتحديد المسؤوليات، لكن المتضررين لا ينتظرون نتائج هذه التحقيقات بقدر ما ينتظرون إجابات عن أسئلتهم: هل سيتم تعويضهم؟ هل سيتم إعادة بناء السوق؟ أم أن النيران لم تحرق المحلات فقط، بل أحرقت أيضا أحلام مئات التجار الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بلا مورد رزق!
وبينما ينتظر الجميع الإجابات، تبقى الحقيقة الوحيدة الثابتة هي أن سوق القرب ببني مكادة لم يكن سوى نسخة أخرى من المشاريع التي تبدأ بحلم وتنتهي بكارثة، في غياب تام للمراقبة، حيث لا تنتهي القصة إلا بعد وقوع الفاجعة يقول أحد التجار.