احتضن رواق محمد اليوسفي بدار الشباب حسنونة، أمس الخميس، ندوة فكرية حول “ورش الدولة الاجتماعية”، وذلك في إطار سلسلة “في حضرة الفكر”، ضمن فعاليات “رمضانيات طنجة الكبرى”، التي بلغت عامها الرابع على التوالي.
الندوة التي شهدت مشاركة نخبة من الباحثين والمتخصصين، شكلت فضاءً للحوار حول التحديات التي تواجه تنزيل مفهوم الدولة الاجتماعية في السياق المغربي، ومدى تفاعل السياسات العمومية مع هذا الورش الكبير.
في مستهل اللقاء، أكدت الدكتورة نادية العشيري، مسيرة الندوة، أن الدولة الاجتماعية ليست مجرد شعار، بل مشروع متكامل يتطلب إرادة سياسية وإجراءات عملية، مشيرة إلى أن الملك محمد السادس أكد على أهمية هذا الورش لضمان العدالة الاجتماعية والمساواة في الاستفادة من الخدمات الأساسية.
أما الدكتور عبد الرحمن الزكريتي، عالم الاجتماع وأستاذ جامعة عبد المالك السعدي، فقد استعرض البعد التاريخي للدولة الاجتماعية، مبرزا أنها نشأت في الغرب بعد الحروب كوسيلة لإنصاف المواطنين واستعادة حقوقهم المسلوبة.
واعتبر أن مفهوم الدولة الاجتماعية في المغرب لا يزال في طور البناء، مشيرا إلى أن “العيش المشترك” والتضامن الاجتماعي لا يمكن أن يعتمدا فقط على مبادرات إحسانية مثل “قفة رمضان”، بل يستوجبان سياسات عمومية عادلة. كما تطرق إلى مسألة توزيع الثروة، معتبرا أن الضرائب إحدى الأدوات الأساسية لتحقيق الإنصاف الاجتماعي، منتقدًا في الوقت ذاته بعض القوانين التي اعتبرها متراجعة عن تحقيق هذا الهدف.
من جانبها، شددت الدكتورة جميلة العماري على أن الدولة الاجتماعية ليست وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة تراكمات امتدت لعقود، مضيفة أن الحكومات المتعاقبة منذ حكومة عباس الفاسي عملت على تنزيل هذا الورش وفق توجيهات ملكية واضحة. وأكدت أن أزمة كورونا كشفت نقاط قوة المجتمع المغربي في مواجهة الأزمات، لكنها أظهرت أيضًا أعطابًا في التطبيق، مشيرة إلى أن المشكل لا يكمن في غياب الأفكار والاستراتيجيات، وإنما في ضعف الحكامة.
أما الدكتور مصطفى الغاشي، العميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، فقد اعتبر أن الدولة الاجتماعية كانت دائمًا هاجسًا للحكومات المغربية، لكنها ظلت تُدار بمنطق الدولة التقليدية.
وأوضح أن التجارب الأوروبية، مثل إسبانيا، أظهرت أن بناء الدولة الاجتماعية لا يمكن أن يتم عبر سن القوانين فقط، بل يتطلب إصلاحات عميقة.
كما أشار إلى أن مرحلة “الربيع العربي” كشفت عن مطالب اجتماعية واضحة، وأن خطب الملك ركزت على هذا البعد، خاصة بعد جائحة كورونا، التي وصفها بأنها عرت هشاشة الوضع الاجتماعي، موضحا أن الفرق بين المبادرات الظرفية وتنزيل الدولة الاجتماعية لا يزال واضحًا.
بدوره، تحدث المهندس محمد أمزيان، رئيس قسم العمل الاجتماعي بولاية طنجة سابقا، عن عمق مصطلح “ورش” في الدولة الاجتماعية، معتبرا أن المغرب يحاول إيجاد توازن بين متطلبات التنمية ومحدودية الموارد.
وأشار إلى أن الدولة، بعد التقويم الهيكلي، انسحبت تدريجيًا من بعض القطاعات تحت ضغوط المؤسسات المالية الدولية، قبل أن تعود من خلال برامج مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ودستور 2011، ثم النموذج التنموي الجديد.
كما شدد على أن مأسسة الفقر خطر يهدد الدولة الاجتماعية، داعيًا إلى إدماج الاقتصاد غير المهيكل في المنظومة الرسمية.
في ختام الندوة، نوه رئيس مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والثقافي والاجتماعي والرياضي، عبد الواحد بولعيش، بأهمية النقاش الذي دار، مؤكدا أن هذه اللقاءات الفكرية تساهم في تعميق الوعي الجماعي بضرورة إنجاح ورش الدولة الاجتماعية.
وتم في نهاية اللقاء تكريم المتدخلين وتقديم دروع تذكارية لهم، والتقاط صورة جماعية توثق لحدث فكري راق.