الدكتور حسن الحداد// باحث في الجماعات الإسلامية
اعتبرت جماعة العدل والإحسان واحدة من أبرز الحركات الإسلامية في المغرب، حيث أسسها الشيخ عبد السلام ياسين في سبعينيات القرن الماضي، مستندة إلى خطاب ديني يجمع بين التصوف والرؤية السياسية المعارضة للنظام الحاكم. ومع ذلك، وبعد عقود من وجودها، يطرح العديد من المتابعين تساؤلات جوهرية حول جدوى مشروعها، وفاعليتها الحقيقية في إحداث تغيير ملموس، بل وحتى حول قدرتها على الاستمرار كفاعل مؤثر في الساحة المغربية.
1. غياب الإنجازات الملموسة: خطاب بلا نتائج
عند مراجعة سجل الجماعة، نجد أنها لم تقدم إنجازات فعلية على مستوى المشهد السياسي أو الاجتماعي. ورغم انتشارها داخل بعض الأوساط، إلا أن أثرها ظل محدودًا، سواء من حيث التأثير في القرارات السياسية، أو حتى من حيث تقديم بدائل حقيقية لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. كما أن تركيزها على الشعارات الكبرى دون طرح حلول عملية جعلها عاجزة عن تقديم نموذج حقيقي يمكن الاقتداء به.
2. معارضة عقيمة بلا مكاسب
اتخذت الجماعة موقفًا متصلبًا في معارضتها للنظام السياسي المغربي، لكن هذا النهج لم يسفر عن أي تقدم حقيقي. بل على العكس، بقيت الجماعة معزولة عن أي تأثير سياسي فعال، حيث لم تستطع حتى تحقيق مكاسب تدريجية، وهو ما يثير التساؤل حول مدى حكمة هذا النهج. فالمعارضة ليست هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق التغيير، وإذا كانت الجماعة عاجزة عن تحقيق أي تغيير بعد عقود من المعارضة، فذلك يدل على فشل استراتيجي عميق.
3. فشل بعد وفاة عبد السلام ياسين: فقدان البوصلة
كان الشيخ عبد السلام ياسين شخصية مركزية في الجماعة، إذ كان يتمتع بكاريزما خاصة وقدرة على تجميع الأنصار حول رؤيته. ولكن بعد وفاته، بدا واضحًا أن الجماعة فقدت الكثير من زخمها، ولم تتمكن من إنتاج قيادة جديدة بنفس القوة والتأثير. كما أن مرحلة ما بعد ياسين كشفت عن غياب رؤية واضحة، حيث لم تستطع الجماعة تجديد خطابها أو استقطاب فئات جديدة من المجتمع، ما جعلها تدريجيًا تفقد بريقها السابق.
4. العزلة الطوعية أم العجز السياسي؟
لطالما بررت الجماعة رفضها للمشاركة في المؤسسات الرسمية بكونها مواقف مبدئية، إلا أن هذا الاختيار يبدو في الواقع هروبًا من التحديات الحقيقية أكثر منه موقفًا مبدئيًا. فبدلًا من البحث عن طرق لتحقيق تأثير سياسي حقيقي، فضّلت الجماعة البقاء في موقف المتفرج، مكتفية بإطلاق المواقف والشعارات دون أي تطبيق عملي. وهو ما جعلها تبدو وكأنها تتقن فن النقد دون القدرة على تقديم أي بديل واقعي.
5. غياب البراغماتية السياسية سبب الإخفاق المستمر
النجاح السياسي يتطلب قدرة على التكيف مع الواقع، والبحث عن فرص لتحقيق مكاسب تدريجية، لكن الجماعة ظلت حبيسة خطاب متصلب، رافضة لأي نوع من المرونة. وبدل أن تبحث عن تحالفات أو عن طرق للمشاركة في صناعة القرار، فضلت لعب دور الضحية، محملة النظام كل المسؤولية عن وضعها المتعثر، دون مراجعة ذاتية لأخطائها القاتلة.
6. نظرة استعلائية تجاه الفاعلين الآخرين
من أبرز الإشكاليات في خطاب الجماعة أنها تتعامل مع باقي الفاعلين السياسيين بنوع من الاستعلاء، حيث تعتبرهم مخطئين، بينما هي الوحيدة التي تمتلك الحقيقة المطلقة. هذه الذهنية جعلتها تخسر فرصًا عديدة لتشكيل جبهات معارضة أوسع، كما ساهمت في عزلتها عن باقي القوى السياسية والمجتمعية.
7. تراجع الدور الدعوي: انحسار التأثير في المجتمع
إلى جانب التراجع السياسي، شهدت الجماعة انحسارًا واضحًا في نشاطها الدعوي والتربوي، حيث لم تعد قادرة على جذب الأجيال الجديدة بنفس القوة التي كانت عليها سابقًا. كما أن تركيزها المفرط على القضايا السياسية أثر سلبًا على دورها في المجال الدعوي، حيث لم تعد مشاريعها التربوية تحظى بنفس الزخم الذي كانت عليه، مما زاد من ابتعادها عن قطاعات واسعة من المجتمع.
8. مستقبل الجماعة: إلى أين؟
مع تراجع تأثيرها، وغياب بدائل حقيقية، واستمرارها في العزلة، يبدو أن مستقبل الجماعة أصبح غامضًا أكثر من أي وقت مضى. وإذا لم تقم بمراجعة شاملة لنهجها وخطابها، فمن المرجح أن تتحول إلى مجرد كيان هامشي، غير قادر على التأثير في المشهد المغربي بأي شكل من الأشكال.
الخلاصة
بعد عقود من الوجود، لم تتمكن جماعة العدل والإحسان من تحقيق أي إنجاز يُذكر، وظلت تدور في حلقة مفرغة من الخطاب المعارض غير المنتج. غياب البراغماتية، ورفض المراجعة الذاتية، والاستعلاء على باقي الفاعلين، كلها عوامل ساهمت في إضعافها. كما أن انحسار تأثيرها الدعوي زاد من عزلتها داخل المجتمع. وإذا استمرت على هذا النهج، فإنها لن تكون سوى صفحة من الماضي السياسي المغربي، بلا أي تأثير حقيقي في المستقبل