احتضن فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بمدينة طنجة، أخيرا، ندوة علمية نظمتها كل من مقاطعة طنجة المدينة والنيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بمناسبة الذكرى 78 للزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له الملك محمد الخامس إلى طنجة في 9 أبريل 1947.
الندوة، التي أدارت أشغالها حميدة الجازي، عرفت مشاركة نخبة من الأساتذة والباحثين، ممن انكبوا على تحليل مختلف أبعاد هذه المحطة المفصلية في تاريخ المغرب، سواء من الزاوية السياسية أو الدينية أو الرمزية، مؤكدين أن خطاب طنجة شكل لحظة فارقة في مسار الكفاح من أجل الحرية والاستقلال.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد حسن بن يوسف، النائب الجهوي للمندوبية السامية، على أن ذكرى 9 أبريل ليست مجرد محطة للاحتفاء، بل لحظة للتأمل في التضحيات الكبرى التي قدمها الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد، معتبرا أن زيارة السلطان محمد بن يوسف لطنجة الدولية آنذاك كانت بمثابة إعلان صريح عن التمسك بالوحدة الوطنية ورفض كل أشكال الوصاية الأجنبية.
وسلط الدكتور مصطفى الغاشي، المؤرخ والأكاديمي المعروف، الضوء على السياق الدولي والداخلي الذي جرت فيه الزيارة، مبرزا كيف أن السلطان الراحل اختار بعناية مدينة طنجة، لما تمثله من رمزية كمدينة دولية خاضعة لنظام استثنائي، ليعلن منها موقفاً واضحاً من الاستعمار، ويؤكد على ارتباط العرش بالشعب في معركة التحرير.
أما الدكتور عبد الإله كنكا، فقد ركز في مداخلته على البعد السياسي والوحدوي للزيارة، معتبرا إياها تجسيدا عمليا لرفض تقسيم التراب الوطني، ولتقوية اللحمة بين مكونات الشعب المغربي، في وقت كان المستعمر يراهن على التفرقة وزرع بذور الفتنة بين الجهات.
وفي مداخلة لافتة، تحدث الدكتور محمد العشيري عن العمق الديني للحدث، مشيرا إلى أن الزيارة الملكية حملت رسائل روحية قوية، أكدت على مكانة السلطان كأمير للمؤمنين، وعمّقت الارتباط بين القيادة الشرعية والشعب، في إطار من الوحدة الدينية والثقافية المتجذرة.
الندوة عرفت كذلك لحظة إنسانية مؤثرة، تمثلت في تكريم مجموعة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في التفاتة استحضرت معاني الوفاء والاعتراف بما قدموه من تضحيات جسام في سبيل حرية الوطن واستقلاله.
وقد شهدت الفعالية حضورا وازنا لعدد من المنتخبين والأطر على مستوى جماعة طنجة ومقاطعة السواني، إضافة إلى أساتذة جامعيين وفاعلين من المجتمع المدني، ما عكس المكانة التي تحظى بها هذه الذكرى في الوجدان الجماعي لسكان المدينة، واهتمامهم المتواصل بتاريخ المقاومة والتحرير.
واختُتمت الندوة بالتأكيد على ضرورة استحضار دروس الماضي واستلهام قيمه في ترسيخ الوطنية الصادقة، والدفاع عن الثوابت الوطنية في زمن تتعدد فيه التحديات.