ياسين أبشري// باحث في العلوم الإدارية والمالية
سرعان ما انفجرت بين ليلة وضحاها عمليات الكريساج والضرب والسب اللا منقطع في أزقتنا الهادئة.
عاد المشهد إلى ما يشبه الفوضى الأولى، أقراص مهلوسة وهلاوس كيماوية غزت الأحياء بشكل منظم ومكثف مباشرة بعد نهاية شهر رمضان، وكأن هناك من كان ينتظر انقضاء الشهر الفضيل ليطلق شياطينه المكبلة، فيغرق الأسواق العطشى بسلاسل جديدة من السموم: “الإكستازي، الترانكيماسي، الروشيس، البوفا، البازلين الرديئة، غاز الضحك،LCD” ناهيك عن الكوكايين والهيروين.
هذه المواد، بحسب تقارير متعددة صادرة عن منظمة الصحة العالمية، تحمل تركيبة كيميائية خطيرة تؤدي بمستهلكها إلى مستويات غير مسبوقة من الجرأة والسلوك العدواني، وهو ما يفسر موجة “الكريساج” وحالات العنف التي اجتاحت الأحياء.
والملاحظ في الظاهرة المفاجئة التحرك السريع للأجهزة الأمنية في مواجهة هذا المشهد الصادم، محاولة احتواء الموقف الميداني.
ومن المعروف أن منطقة شمال المغرب، وخصوصا ميناء طنجة ومعبر باب سبتة المحتلة، يعدان من أبرز النقط الحيوية لمهربي المخدرات، وهو ما تؤكده التقارير السنوية لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، ففي سنة 2023 وفقا للتقرير السنوي الصادر عن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، تمكنت عناصر الجمارك من إحباط محاولات إدخال ما يقارب 20,056 قرصًا مهلوسًا من نوع “إكستازي” عبر معبر باب سبتة، إلى جانب حجز 1.3 كلغ من مادة يشتبه في كونها “البوفا”.
هذه الأرقام، وغيرها، تؤكد التعاون الوثيق والمستمر بين مختلف الأجهزة الأمنية: الجمارك، الدرك الملكي، الأمن الوطني، ومراقبة التراب الوطني، في حربهم المشتركة ضد الاتجار غير المشروع بالمخدرات.
لكن في ظل هذا التنسيق الأمني المحكم، يظل السؤال المطروح: من هو “الشيطان الأسود” الذي أغرق السوق المحلي بهذه الأنواع الجديدة من المخدرات السامة؟ ومن يقف وراء هذه العمليات التي خلّفت موجة عنف لا مثيل لها؟
وبينما كانت الأجهزة الأمنية تستنفر عناصرها على الأرض لاحتواء هذه الأزمة، بعث في نفوس المواطنين شعور بالطمأنينة، ولو بشكل نسبي.
وفي خضم هذه الأحداث، صادقت الحكومة على مشروع قانون المسطرة الجنائية، والذي جاء حاسما بشأن قضايا “الكريساج”، إذ نص الفصل 507 من مجموعة القانون الجنائي على أن:
“يعاقب على السرقة بالسجن المؤبد إذا كان السارقون أو أحدهم حاملًا لسلاح، حسب مفهوم الفصل 303، سواء كان ظاهرًا أو مخفيًا، حتى وإن ارتُكبت السرقة من طرف شخص واحد، ودون توفر أي ظرف آخر من الظروف المشددة.”
لكن في مواجهة هذه الظاهرة المتفاقمة، تبرز معضلة أخر: اكتظاظ المؤسسات السجنية، فبحسب المندوبية العامة لإدارة السجون، بلغ عدد السجناء بالمغرب مع نهاية 2023 ما يناهز 102,653 معتقلا، في حين لا تتجاوز الطاقة الاستيعابية الإجمالية للسجون 64,600 سرير، مما يعني نسبة اكتظاظ بلغت159%، هذه الوضعية تهدد بتقويض جهود التأهيل وإعادة الإدماج، وتخلق ظروفا غير إنسانية قد تكرس الانحراف بدل معالجته.
وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في السياسة العقابية، إذ تشير الإحصائيات إلى أن حوالي44% من المعتقلين يقضون عقوبات تقل عن سنة واحدة، وهو ما يعزز مطلب اعتماد بدائل للعقوبات السالبة للحرية، كالعقوبات البديلة والعمل لفائدة المجتمع، في سبيل تخفيف العبء على السجون وتحقيق فعالية أكبر في التصدي للجريمة.
القانون واضح، والمشهد مقلق، والمرحلة تحتاج إلى أكثر من تدخل أمني، إنها دعوة مفتوحة لمراجعة شاملة لسياسات التوعية، العقاب والتأطير، بما يكفل فعالية أكبر وتأثيرا حقيقيا على أرض الواقع.
ووفقا لآخر تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، بلغ معدل البطالة في المغرب 13.3% في عام 2024، بزيادة قدرها 0.3 نقطة مقارنة بالعام السابق، وقد تأثرت المناطق الحضرية بشكل خاص، حيث ارتفع معدل البطالة إلى 16.9%، بينما ارتفع في المناطق القروية إلى 6.8%، وتظل معدلات البطالة مرتفعة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما (36.7%)، والخريجين (19.6%)، والنساء . (19.4%)
يظهر هذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي أن العديد من الشباب، خاصة في الأحياء الهامشية، يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات اقتصادية ونفسية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل شبكات الاتجار بالمخدرات، وتسهم هذه الظروف في انتشار تعاطي المخدرات الرخيصة الثمن، التي تعتبر وسيلة هروب مؤقتة من الواقع، لكنها تؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والصحية.