واحد وثلاثون سنة مرت، والعمر يتسرب من بين أصابع مهاجر مغربي، مثل ماء آسن في زنزانة باردة… ثلاثة عقود وهو يلوك مرارة الظلم في سجون إسبانيا، فقط لأن ضحية اغتصاب أخطأ في “الوصف”… فوُصف هو بالمجرم.
القصة بدأت في 1995، عندما كانت الحياة تضحك لأحمد.ت، مهاجر مغربي دخل إسبانيا لتوه من المغرب، فاستقبلته الشرطة بدل أن تستقبله الشمس. السبب؟ ضحية اغتصاب وقعت في قبضة الذاكرة المشوشة، ورأت في جسده ما يذكرها بمغتصبها… لا وجه، لا دليل، فقط “البنية الجسمانية”.
وهكذا… دخل أحمد السجن من بابه الواسع، لا لشيء إلا لأن القدر لعب لعبته القذرة، ولأن القضاء الإسباني حينها كان يرى في كل مهاجر مشروع مجرم. صدر الحكم الثقيل: 100 سنة سجنا نافذا!
خمسون منها بتهمة الاغتصاب والسرقة تحت التهديد، وخمسون أخرى لأنهم قرروا أنه كان “متواطئا”! وحتى حين صرخ ببراءته، لم يسمعه أحد… فالزنزانة لا تملك أذنين.
لكن عجلة الزمن لا تتوقف، ومع ظهور تقنية الحمض النووي، جاء أول خيط من النور سنة 1997، حيث أسقطت المحكمة تهمة الاغتصاب. ورغم ذلك ظل أحمد خلف القضبان… لأن الماكينة البيروقراطية لا تعترف بالخجل.
وفي 2023، بعد أكثر من ربع قرن، اعترف أحد الضحايا أنه اتهم أحمد خطأ، فخرج هذا الأخير من السجن محملا بحقيبة من الخيبات… وطلب تعويضا بمبلغ 3.6 مليون يورو، رفضه القضاء الإسباني ببرودة قاتل مأجور.
لكن يوم الاثنين 5 ماي 2025، قالت المحكمة العليا في إسبانيا كلمتها الأخيرة: أحمد.ت بريء، لم يغتصب، لم يسرق، لم يتواطأ… فقط كان ضحية ذاكرة مشوشة وعدالة مشروخة.
خرج أحمد، لكن ليس كما دخل. خرج بشعر أبيض وقلب أسود من شدة الظلم، يبحث اليوم عن عدالة جديدة… عن تعويض لا يمسح الدمع، لكنه على الأقل يمسح دم الوجه.