حينما تذهب للمقهى “لتستمع لعظامك”، فكن متأكدا أنك ستستمع أيضا لعظام الآخرين وأخبارهم وأسرارهم كذلك.
الغريب في الموضوع أن بعض الناس يتطوع لنشر غسيله وغسيل أسرته وعمله على مسمع الجالسين والمارّة، وبعضهم يتحدث في أمور حساسة ويَذكر أسماء أناس آخرين، قد لا يعجبهم ذكر اسمهم في ذلك السياق.
في إحدى المقاهي غير الشعبية، انطلق أحدهم وهو يدخن ماركيز بشراهة، ليتكلم عن تفاصيل طلاقه من زوجته السابقة، وكيف أرغمته على ذلك، وكم أعطى لها للتنازل عن شكايتها، وبعض المشاكل التي حدثت بين زوجته وأمه، والحوار الذي دار بينه وبين محاميه. في الأخير نصحه صديقه بتبديل العتبة، بعدما كادا يتشاجران والصديق يحاول لعب دور الخيط الأبيض. لكنه استسلم في النهاية!
في نفس المقهى نشر أحد المقاولين الصغار كروكي لقطعة أرضية ادعى لجليسه أنه سيستولي عليها بمساعدة أحدهم، لكن هذا الأخير تأخر عليه في إتمام الصفقة بعدما دفع له قسطا من المال، فأخذ هاتفه وركّب رقمه متوعدا إياه بالشر المستطير إن لم يظفر بالقطعة الأرضية، لكن الآخر لم يجبه، فأخذ يسبه مُعددا أفضاله عليه.
أمًا الذين يتحدثون عن سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية فحدث ولا حرج، لاسيما مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، فليس للحديث نهاية، لكنه لا يتجاوز جدران المقهى الذي يجلسون فيه، ومع ذلك ينتظرون تغيير الأوضاع إلى الأفضل!
في كل هذه الأحاديث تُذكر أسماء وصفات وشخصيات، لو علمت بذلك الذي يحصل لهرولت للمكان ومنعت المتكلم من حديثه المسيء لها.
يبدو أن التكنولوجيا التي لم تحفظ للبيوت جدرانها، وجعلت من أفراد الأسرة الواحدة موزعين على الشاشات الصغيرة، شجعت البعض للإفصاح عن هواجسه ومشاكله أمام الملأ، دون الانتباه لعواقب ذلك.